هيّا إلى الفلسفة

هيّا إلى الفلسفة
الرابط المختصر

 

 

أبدأ حيث انتهى مقالي الأول بأن تعليم الفلسفة هو استثمار تربوي قيم يشكل حلاً لتحديات التعليم المقبلة، التي يمكن مواجهتها بأدوات بسيطة، ويستطيع أن يتبناها المعلمون في الصفوف العادية مع الطلبة بغض النظر عن مستواهم، ذلك أن المعرفة المتخصصة لن تصبح مهمة الجيل المستقبل بقدر أهمية المهارة في معاملتها عقلياً من خلال آلية في التفكير تعتمد الفلسفة في منهجها.

 

إن القول المشهور لديكارت "أنا أفكر إذن أنا موجود" صحيح بالمعنى السيكولوجي؛ فما نحن إلا أفكارنا فكيف إذا كانت فكرتنا في مستوياتها العليا، وتتجه نحو الاستدلال واتخاذ القرار وحل المشكلات. عندها سنرى الطلبة يتفاعلون أكثر مع المحتويات المعرفية المقدمة في المنهاج فيدرك تفكيره وتفكير الآخر.

 

يتضمن برنامج ليبمان، الذي أشرت إليه في مقالي السابق، تهيئة الفرص والمواقف وتنظيم الخبرات التي تتيح الفرصة للأطفال لممارسة التفكير من خلال الحوار والنقاش، ويستند على تقديم قصة ذات مضمون مناسب للأطفال، ثم طرح أسئلة مثيرة للتفكير تأخذ اتجاهين؛ الأول موافق لها، والثاني مخالف، ساعياً بذلك لتحويل الصف إلى مجتمع التقصي والتساؤل، ويشجع الأطفال على الاستماع إلى القصة ونقاشها.

 

ويدرب المعلمون ليصبحوا خبراء في تسهيل وتطوير النقاش، إذ يطرحون أسئلة ويجيب عليها الأطفال، ويكون التقصي عند مواجهة تناقض أو إشكال يتطلب تأملاً دقيقاً، وهو ما لا يستطيع المنهاج أن يقدمه إذا طرح بشكل حقائق واضحة ومحسومة. كما أن سلامة التفكير في تنمية مفهوم الحل "المناسب" أو المتوازن بدل الحل الصحيح بكل تفاصيله.

 

ويؤسس الحوار الأصيل حين يضع المشارك بالحوار أفكار الآخرين بذهنه إلى جانب فكرته بهدف إقامة فكرة جديدة حية ،وعلاقة متبادلة تكون أساساً لاكتساب العادات الذهنية والأخلاقية الملائمة للمحادثة والحوار. ويمتلك الطلبة استقلالية التفكير عبر تشكيل فهمهم الخاص وتصورهم الذاتي، بعيداً عن ترديد ما يقوله الأخرون أو ما يفكرون به، فتدمج مهارات التفكير الناقد مع التفكير الإبداعي بصورة تفكير مرن وأصيل.

 

يتضمن هذا المنحى تدريباً على المنطق والتفكير لدى الأطفال بمنطق تشغيل الذهن، وتقديم المواضيع لهم بشكل قضايا أو مشكلات، ويقوم المعلمون بطرح فكرة تتضمن صدمة فكرية أو مفاجأة، لأن الأفكار المألوفة لا يمكن أن تحرك الخيال أو تستثير الفكر وطاقاته.

 

 

وتستخدم القصة لأنها تعد نشاطاً يستمتع به الطفل، ويمكن تقديمها بشكل يناسب جميع الأعمار، وأن تحتوي الكثير من القيم والمعاني والمثاليات، وتثير ردود معل ممتعة ومختلفة في الوقت نفسه، كما تهيئ الأطفال لمواجهة العالم في المستقبل، حيث تعتبر بمثابة تمرين تخيلي أو موقف افتراضي له.

 

وتمتد جلسة تعليم الفلسفة لتنفيذ بعض الأنشطة المرتبطة بموضوع القصة مثل الرسم أو تنفيذ بعض الأنشطة اليدوية أو الدراما والألعاب الاجتماعية وحتى الألعاب اللغوية، وتأليف بعض القطع النثرية أو المقفاة لموضوع القصة.

 

يؤمن ليبمان بأنه علينا أن نعلم الأطفال الممارسة الحقيقية للفكرة واختبار صحتها ومنطقها وحتى جمالها، ويمكن تعميق فكرة الممارسة لديهم لنخلق فيهم التفكير الابتكاري، وأن نصعد بالطفولة إلى قمة المهارات. كما أن تنمية الإبداع والتفكير الإبداعي وعشق جماليات الأشياء يتم في جو للحوار وتقبل الآخر والتواصل للوصول إلى مفهوم المهارات والسّلوك والابتكارات من خلال معلمين فلاسفة، ومبدعين، ينفذون إلى عالم الطفل، ويعبرون إلى ذواتهم التي تملك الكثير، والكثير جداً، والكشف عن مواطن الإبداع الخفية فيهم. وجعل السلوك والمهارات الإبداعية هي القيمة الأهمّ للأجيال اللاحقة.

 

تعليم الفلسفة خطوة أولى على طريق التربية الإبداعية، والتربية الديمقراطية، والتربية الأخلاقية وحتى  الجمالية لدى أطفالنا.

 

أسيل الشوارب: أستاذ مشارك في قسم العلوم التربوية/ جامعة البتراء. قدّمت عشرات الأبحاث والأوراق العلمية، ومنها: تصورات الوالدين حول الممارسات الملائمة نمائياً في رياض الأطفال، تصورات “الطلبة المعلمين في تخصص معلم الصف” حول التعلم والتعليم.

أضف تعليقك