هيكلة المؤسسات والتوظيف السياسي

هيكلة المؤسسات والتوظيف السياسي
الرابط المختصر

عاد البرلمان إلى مناقشة موضوع إلغاء بعض المؤسسات العامة المستقلة. وتدور مداولات شبه ساخنة بين الأعيان والنواب حول جدوى إلغاء بعض هذه المؤسسات، وجدوى دمج أخرى معا.

إذ يصر مجلس النواب على إلغاء بعض المؤسسات بعد رفض مجلس الأعيان ذلك.النواب يصرون على قرارهم بإلغاء سلطة المصادر الطبيعية، وتعديل تسمية هيئة المناطق التنموية والمناطق الحرة إلى هيئة الاستثمار، وإلغاء مؤسسة تشجيع الاستثمار على أن تؤول حقوقها إلى هيئة الاستثمار.

وكذلك إنشاء هيئة الإعلام لتحل محل المطبوعات والنشر وهيئة المرئي والمسموع، إضافة إلى إلغاء هيئات لم يسمع بها كثيرون إلى هذه الأيام، أي وقت التفكير في إلغائها؛ مثل صندوق المخاطر الزراعية، والهيئة التنفيذية للتخاصية، والهيئة الأردنية لتنمية البيئة الاستثمارية والأنشطة الاقتصادية.

مسألة التقليل من حمولة المؤسسات العامة المستقلة أصبحت مطلبا شعبيا، وأحد أسس الرُّشد الإداري الذي نبحث عنه. لكن الموضوع أخذ جرعة تسييس أكثر من اللازم خلال السنوات الأخيرة؛ فلم تعد المسألة هي كيفية الانتقال بإدارة الدولة نحو المزيد من الرشاقة والحاكمية والكفاءة بأقل الكلف، بل صارت مسألة تيارات داخل الإدارة وخارجها.

وكل ما نخشاه في هذا الوقت، هو أن نقع في حلبة الارتجال والقرارات الشعبية التي سندفع ثمنها.الخطة الحكومية بدأت بقرار إلغاء المؤسسة التعاونية، وإعادة هيكلة أو تأهيل القطاع التعاوني. وبقيت الرؤية غير واضحة حول المسارات المستقبلية التي تنتظر هذا القطاع المهم، والذي يحتل أهمية اقتصادية واجتماعية متقدمة على مستوى الاقتصاد الكلي، وعلى مستوى التنمية المحلية.ثمة وجه آخر في تسييس الإدارة، يعود إلى نشأة بعض المؤسسات.

إذ تنشأ المؤسسات في ضوء حاجة حقيقية، ومبررات واضحة، وسرعان ما تتحول إلى ساحة للاستثمار السياسي المحلي فيها، من هذه الجهة أو تلك، ومن قبل الحكومات قبل الجميع. وأول ما يؤشر على هذا التوظيف هي النخب التي يتم تصعيدها لإدارة هذه المؤسسات، والاعتبارات التي تحكم قرارات وصولهم إلى هذه المواقع.

إن تتبع آليات التجنيد السياسي؛ أي الطرق التي أوصلت نخبا متعددة إلى هذه المواقع، يحكي قصة فشل عشرات المؤسسات التي كانت البلاد وما تزال بحاجة إليها، لكنها تحولت إلى عبء ومنافذ للهدر، وأحيانا ساحات مزكمة بالفساد.هناك ثلاث وجهات نظر تدير النقاش العام حول الموقف من الخطة الحكومية بشأن المؤسسات العامة المستقلة.

 وجهة النظر الأولى تعتقد أن هذه المؤسسات أثبتت فشلها، وساهمت عبر أجيال من الحكومات في تهشيم الولاية العامة للحكومة. بل ويصل البعض إلى أن وجود عدد من هذه المؤسسات إنما يتعارض مع بعض الأصول الدستورية والقانونية، ومبادئ السيادة.

ويستند هذا الرأي إلى أن هذه المؤسسات أصبحت عبئا على الاقتصاد والدولة، ومرتعا للفساد. وفي المقابل، ترى وجهة النظر الثانية أن هذه المؤسسات لم تحقق الأهداف التي وُجدت من أجل تحقيقها، وهي تحتاج، بالتالي، إلى إرجاعها إلى المسار، من خلال الدمج وإعادة الهيكلة.

أما وجهة النظر الثالثة، فترى أن ثمة مبالغة كبيرة وتضخيما في وصف أوضاع هذه المؤسسات، وأن ثمة اختصارا لأزمة الأداء العام في هذا الملف. يبدو أن جميع وجهات النظر السابقة صحيحة، وتحتمل في الوقت نفسه الخطأ؛ ما يعيدنا إلى المربع الأول المتمثل في التوظيف السياسي على حساب المهنية والمأسسة.

فهذه المؤسسات التي تتجاوز الستين مؤسسة، هي عصب الدولة وعمودها الفقري، ويجب النظر إليها من هذه الزاوية. وإصلاح أحوالها يبدأ من إعادتها إلى هذه الزاوية، وليس بتركها كحكومات مستقلة، لكنها في الوقت نفسه عاجزة ماليا وإداريا.

أكثر ما نحتاج إليه اليوم هو أن لا نترك لتأثير التفكير تحت وطأة الأزمة الاقتصادية، فرصة حجب النظر عن أهمية هذه المؤسسات ودورها. ولعلني أكرر ما كتبته في مرة سابقة، بأننا ما نزال بحاجة إلى العديد من المؤسسات العامة المستقلة غير الموجودة بين الستين القائمة اليوم؛ وأن غير الموجودة، أهم من نصف المؤسسات الموجودة.

الغد

أضف تعليقك