هل يصبح الوطن العربي «منطقة خالية من المسيحيين»؟!
إن استمر الحال على هذا المنوال ، فلن ننتظر طويلا قبل أن تحين لحظة إعلان "الوطن العربي" ، وطن المسيحية الأول ، "منطقة خالية من المسيحيين" ، بعد أن أخفقت الدولة العربية "الحديثة" في توفير أسباب بقائهم في أوطانهم ، ووقف حالة النزف المتواصل التي يعيشونها منذ سنوات وعقود طويلة ، أدت في نهاية المطاف إلى تحويل الوجود المسيحي العربي ، إلى "وجود رمزي".
وإذا كان المسيحيون العرب يتجرّعون مع إخوانهم المسلمين الكأس المرة لفشل الدولة العربية المعاصرة في تحصين الاستقلال وإنجاز التنمية الشاملة والانتقال إلى ضفاف الحرية والديمقراطية ، إلا أنهم ينفردون عنهم بمواجهة أنماط خاصة من المشكلات والتحديات ، بعضها مشتق من "الطبيعة الطاردة" لبعض النظم وبعضها الآخر عائد لتراجع منسوب "التسامح" وانحسار ثقافة الحوار والعيش المشترك والاعتراف بالآخر ، في أوساط مجتمعاتنا ونخبنا السياسية والثقافية والاجتماعية.
صحيح أن مجتمعاتنا العربية بكل مكوناتها ، كانت هدفاً للإرهاب والإرهابيين ، الذين سعوا لتحقيق أغراض سياسية أو عقائدية بواسطة إراقة دماء الأبرياء واستهدافهم ، وصحيح كذلك أن ضحايا هذا الإجرام المنهجي والمنظم ، من بين المسلمين ، هم أضعاف مضاعفة لضحاياه من المسيحيين ، لكن الصحيح أيضاً أن استهداف المسيحيين بمسلسل الإرهاب ، إنما هو استهداف لوجودهم في المنطقة ، وبهدف اقتلاعهم وتهجيرهم ، وتحويل المنطقة العربية إلى "منطقة خالية من المسيحيين" ، إنفاذاً لأجندة سياسية وعقائدية ، أقل ما يمكن ان يقال في وصفها بأنها مريضة ، نحن جميعاً ، وبأقدار متفاوتة ، مسؤولون عن هذا المسلسل الإجرامي... الحكومات العاجزة عن توفير الأمن لمواطنيها ، كل مواطنيها ، مسؤولة... والدولة الفاشلة في نسج علاقة صحيحة وصحية مع مواطنيها وفيما بينهم ، مسؤولة.... والصامتون والمتفرجون على ما يجري من دون أن يحركوا ساكنا ، مسؤولون... والذين يبحثون عن أسباب تفاقم هذه الظاهرة خارج الحدود ، في "نظرية المؤامرة" ، للتنصل من المسؤولية وإرضاء الضمير وإراحته ، مسؤولون.... ، ... والذين لأي سبب من الأسباب ، نشروا او ساهموا في نشر ، أو شجعوا أو تواطأوا في نشر الفكر الظلامي ، مسؤولون.
جميعنا مسؤولون عن هذا المسلسل الإجرامي الذي تتعرض له فئة أساسية مكونة لمجتمعاتنا وتاريخنا وثقافتنا وحضارتنا وأمتنا ، جميعنا مسؤولون إن لم نبادر ، اليوم وليس غداً ، الى التصدي لهذا العنف المجنون ، المنفلت من كل عقال.
المسيحيون في وطن المسيحية الأول ، ليسوا ضيوفاً ، وهم ليسوا "مادة للمساومة والمقايضة" ، وما لم نتعامل معهم على هذا الأساس ، وعلى هذا الأساس فقط ، نكون شركاء في الجريمة ، لا تفصلنا عن القتلة الذي عاثوا قتلا وتخريبا في "كنيسة القديسين" في الاسكندرية ، وقبلها في "كنيسة سيدة النجاة" في الموصل ، سوى أمتار قلائل ، فلننهض بدورنا وواجبنا في حماية مسيحيي بلادنا ، أو بالأحرى فلننهض بواجبنا في حماية أنفسنا ، فنحن حين نتصدى لهذه الأعمال "الحقيرة" ندافع عن أنفسنا ووجودنا في المقام الأول والأخير.
الدستور