هل يسترشد التعليم بأوراق الملك النقاشية؟

هل يسترشد التعليم بأوراق الملك النقاشية؟
الرابط المختصر

زخمٌ ومسارٌ وأمل، هذا بعض ما أعطته المبادرة الملكية في تأسيس اللجنة الوطنية لتنمية الموارد البشرية والمهمة الموكلة لها في تطوير التعليم. وكأي جهد تطويري، من المهم أن يتم الاستفادة من الإنجازات الإيجابية السابقة، ومنها ما ورد في أوراق جلالة الملك النقاشية* تتضمن هذه الأوراق بعض الإشارات المباشرة إلى موضوع التعليم، لكنها وبشكل أشمل تشير إلى القيم الديمقراطية التي نريدها للأردن ومستقبله المنشود. ومن المهم التنبه لهذه القيم وتضمينها فيما يتم الإعداد له من خطط برامج للتعليم، فالتعليم كما نعلم أداة هامة لتشكيل أي مجتمع وتوجيه فكره بشكل مبكر.

 

"إن احترام الرأي الآخر أساس الشراكة بين الجميع" (الورقة الأولى)، وضمن المحتوى التعليمي، قد يعني الرأي الآخر صورة المرأة بكافة فئاتها وأدوارها، أمّ وعاملة، وأولويات الشباب في أحلامهم واحتياجاتهم وأدوات التعلم التي تناسبهم، وثقافة الأردنيين على تنوعهم في المعتقد والفكر والأصل، إذ ليس الكل من لون واحد. إنّ تفعيل مبدأ احترام الرأي الآخر ضمن النظام التعليمي يتطلب بالأساس أن يذكر هذا الرأي بالشكل المنصف في الاقتباسات والإيضاحات والمساهمات الحضارية وأمثلة البطولة وأن يشار إليها في المصادر العلمية والمناسبات المعنية والخبراء المعنيين، بحيث يتمكن أبناء وبنات الأردنيين والأردنيات من معاينة هذا التنوع حين يقرؤون كتب المنهاج أو يتحاورون بالصف أو يشاركون بالأنشطة أو يتفاعلون مع الجهاز التعليمي.

 

"إن تكوين مجتمع ديمقراطي متقدم هو نتاج التعلّم من التجارب المتراكمة، والجهود المشتركة" (الورقة الثانية). تبدأ أولى تجارب الإنسان وخبراته الديمقراطية في الأسرة والمدرسة، لذلك، على التعليم أن يعمل على التأسيس للمجتمع الديمقراطي وزرع قيم المواطنة، وتعليم حقوق الإنسان وسيادة القانون. والطالب يحتاج لا أن يقرأ عنها فقط، بل أن يتدرب عليها ويعيشها بشكل مستمر ويراها حاضرة في النقاش الصفيّ واختيار الممثلين له وطريقة توجيه التعليمات وكيفية أخذ القرارات.

 

ومن المهم العمل على "صون قيمنا الأساسية المتمثلة بالوحدة الوطنية والتعددية والانفتاح" (الورقة الثالثة)، فالحاجة تظل، في كل ما يتم عمله وتعليمه، إلى إعلاء الهوية الأردنية وتكريس الوحدة الوطنية والتعددية. كذلك نحتاج لبناء روح الانفتاح على الآخرين داخل الأردن وخارجه، فينشأ طلابنا مقدرين لأنفسهم التقدير الصحيح من دون شعور بالنقص أو تفوق زائف. ويجب أن لا يعلو مكوّن للمجتمع على آخر بغض النظر عن الأصل أو المستوى الاجتماعي أو الفكر. علينا كذلك أن ننشئ جيلاً يكون مقدرّاً لما للشعوب الأخرى من ثقافة، وأن نكون مدققين فيما نختاره من قصص لما دار بين الحضارات في الماضي والحاضر، لكي نتعلم كيف نستفيد من إنتاجات الآخرين ونسعي لتحصيل معارفهم ونبني جسوراً للثقة مع الجميع.

 

نحتاج أيضاً للعمل على "ترسيخ الثقافة الديمقراطية في المجتمع" (الورقة الرابعة)، ولأجل هذا، من الضروري أن تعمل مؤسسات المجتمع ومنها التعليم على بناء ثقافة ومنهجية الحوار في طرح التحديات الراهنة أو المناظرة في المواضيع الخلافية أو الانتخاب السليم في البرلمانات المدرسية. كما يلزم تفعيل آليات المراقبة الضرورية لضبط أي تجاوز ضمن النظام التعليمي على قيم الثقافة الديمقراطية بما فيها المواطنة والمساواة، وإشهار نتائج هذا الضبط، فيشعر كل أردني منذ صغره بأن هذه القيم محمية بالقانون.

 

وأخيراً، هناك حاجة إلى التبني المتعمق لهذه القيم والممارسات "من خلال تجذيرها في منظومتنا القيمية والتربوية والتشريعية عبر حملات التوعية والمناهج" (الورقة الخامسة). وبالطبع، فإن هذه المسؤولية لن تنجح إلا بالعمل الإستراتيجي والمتكامل، وأن يقوم على مراقبة تنفيذها على طول مسار العملية التعليمية أشخاص يؤمنون ويمارسون هذه القيم، أشخاص لهم التأثير المطلوب على كافة القرارات المحورية الخاصة بالعملية التعليمية ويتوفر لهم الدعم الكافي لمواجهة المقاومة المتوقعة لهم، بحيث تأتي النتائج بالنهاية محققة لما يرجوه مجتمعنا ويستحقه بلدنا.

باسل صليبا: مستشار وخبير متقدم في مجال التقييم والتطوير وبناء القدرات للقيادات والمشاريع والمؤسسات.

[email protected]

أضف تعليقك