هل نحنُ شعبٌ سعيدٌ؟
الأردن في المرتبة الـ9 عربياً، والـ80 عالمياً في مؤشر السعادة الدوليّ، برعاية الأمم المتحدة. ما يعني أننا متفوّقون على لبنان، وسورية، والعراق، والمغرب، وتونس، ومصر، وكذلك السودان وموريتانيا، وجزر القمر، وفلسطين، وحتى ايران.
ربَّما، يتساءلُ الأردنيون عن مستوى الخداعِ في ذلك. يتساءلونَ، وكأنَّ الدولةَ وراء هذا التصنيف، لتقولَ لنا أنَّ الاستياءَ العام ليسَ صحيحاً، وليسَ علميّاً، بالنظر إلى المؤشرات الدولية المعتمدة، ومن بينها نظامُ الحكم السياسي، ومستوى الفساد في المجتمع، والتعليمُ، والصحةُ، والأجورُ، إلى جانب الأمن، وتوزيع الثروات، وقدرة الأفراد على تقرير مستقبلهم.
يَقُولُ الأردنيونُ إنَّ موقعنا عربيّاً وعالمياً، لا يعكسُ تقاريرَ أخرى أكثرَ أهميّة وحساسية، مثل أرقام البنك الدولي، وصندوق النقد الدوليّ، وحتى مؤشرات التنافسيّة، وتقرير التنمية البشرية العربيّ، حيثُ نخضعُ لإملاءاتٍ سياسيّة، ونضطرُ إلى حلولٍ اقتصادية مؤلمة، ترتبطُ بارتفاعِ الأسعار، وبغلاء المعيشة، وما ينتجُ عن ذلك من تآكلٍ في الدخول، وتداخلٍ في الطبقات الاجتماعية، وخلاصته، أنّ الطبقةَ الوسطى اندحرت، وباتت محضَ شريحةٍ، تتجاورُ مع شرائح، ولا تتنافسُ مع أخرى.
هَلْ نحنُ شعبٌ سعيدٌ نسبياً، ولدينا ميزةٌ تقتضيها المقارنةُ مع دولٍ عربيّة وغيرها، نظراً إلى صعوبة الوضع الجغرافيّ، والتحديات الإقليمية الضاغطة على التنمية والموارد. هذا سؤالٌ لا يُقيمُ وزناً لنتائج تؤشّرُ للسعادة، أو لانعدامها، فالأردنيّةُ والأردنيُّ يعرفانِ تماماً طبيعةَ نظام الحكم السياسيّ، وحينَ يُسألان عنه، يُجيبان بواقعيّة، يضبطها الخوفُ جيّداً. واقعيّةٌ تُراقبُ الجوارَ، وتخشى من هشاشة السلطة على احتمالِ الأسوأ، ولعلَّ ذلك من المألوف، فيجدُ أنَّها تستحقُّ درجةً معقولةً، فازت بها بحكم الصدفة، ليس غير.
لنأخذ مستوى الفساد، الذي جعلنا نتقدمُ على المغرب وتونس ومصر في مجموع التقييم، كما لو أنَّ الأردنيين أكثرُ سعادةً بأنَّ بلادهم في وضعٍ أفضلَ من الدول الثلاث، ولنلاحظ أنَّ هذا القياسَ جزئيٌّ في المنظور الدوليّ، ودراسته، ورصده. وهذا أفقٌ مفتوحٌ على الخداع. فكلُّ ملفات الفساد لدينا مفتوحةٌ وفاضحةٌ، ومتروكةٌ دُونَ حلول، والسلطةُ نفسها لا تنكرُ كثيراً منها، بل إنها تُعلنُ عجزها عن مواجهتها حيناً، وتستمرُّ في ممارسة الإفساد، وتحويله إلى مؤسسة، تُسيّرها قوانين اجتماعيّة، وتفاهمات بين طبقات الحكم، كواقعٍ تقليديٍّ، يتمظهرُ في الواسطةِ، والمحسوبية، وتحاصص الوظائف العليا، ومكاسب الاستثمار في البلاد، وادّعاء الخوف من أشباح، تفرضها البنية الديمغرافية.
ما ينسحبُ على الفساد، ينطبقُ على التعليم، والصحّة، والأجور، والإحساس بقوّة الأمن العام، وربَّما يبدو مؤشّرُ توزيع الثروات مكشوفاً وفاضحاً، إلى الحدّ الذي يعتقدُ فيه كثيرونَ أنَّ الأمم المتحدة كانت تختبرُ سعادة السكّان في عمّان في العام 2016، وليس في المحافظات، حيثُ يعيشُ مليون فقير، وبالمقاييس الدوليّةِ ذاتها. وهنا لا يكمنُ الفرقُ بين السعادةِ والتعاسةِ فقط. هنا تتضحُ المسافةُ طولاً وقصراً، بين النجاح والفشل في السياسات العامة التي تجلبُ الرضى نسبياً، أو السخط عموماً.
طبعاً. يوفّرُ مؤشِّرُ السعادة الدوليّ ذرائعَ كثيرةً للسلطةِ، لإسكات غضب الأردنيين من سوء الأحوال العامة، فالدولُ العربيّةُ التي تتقدَّمُ علينا أكثرُ ثراءً، بحكم مواردها النفطية، علماً أنَّ مستوى الرخاء والرفاه الاقتصاديّ ليس حاسماً في ترجيح وزن السعادة، ولكننا أيضاً قادرون على المحاججة هنا، خصوصاً حين نتخلّفُ على المعيار ذاته عن ليبيا والصومال، اللتين تحتلان المرتبة الـ7 والـ8 عربيّاً، والـ67 والـ76 عالميّاً، وهما بلدانِ يشهدان حروباً، وتهديداتٍ أمنية، بالغة الخطورة والتعقيد.
ما لا نقدرُ على التقدُّم فيه تبعاً لأوضاعنا الاقتصادية، وثقل الديون على موازنتنا، وغير ذلك من عمق الفساد، وسوء الخدمات، نستطيعُ أنْ نتميّز فيه في جوانبَ أخرى، لا تثيرُ اهتمامَ الدراسات الدولية، وحسب، وإنّما تمدُّنا بإحساس الفقراء الأحرار في الرأي والتنظيم والاشتباك الخلاّق مع المصالح، وهنا تُلامُ السلطةُ أشدّ من لومها على نكبات التنمية، فلدينا برلمانٌ وأحزابٌ وهياكلُ نقابيّةٌ وعماليّة وطلابية وأكاديميّة، وكلها تعاني من التكبيل والتضييق والشراسة الأمنية، حتى أننا سبقنا دولاً شموليّةً في اختراعِ القوانين الرديئة التي تتعاطى مع حرية التعبير، بآفاقها الحديثة، وتقنياتها الرقميّة، على نحو أسوأ من الماضي العرفيّ.
هذه علةُ السلطة، وهي تبدو وحدها السعيدة بشقائنا، وهو شقاءٌ لا تفهمهُ المؤشراتُ الدولية.
صحافيٌّ أردنيّ، عمل في صحف يومية محلية وعربية.