هل تدق رياح التغيير أبواب نقابة الصحفيين؟

هل تدق رياح التغيير أبواب نقابة الصحفيين؟
الرابط المختصر

رياح التغيير والإصلاح تدق كل الأبواب في الأردن، فهل تصل إلى نقابة الصحفيين التي ظلت لعقود طويلة عصية على كل تغيير؟!.

تقارير حالة الحريات الإعلامية التي يصدرها مركز حماية وحرية الصحفيين منذ عام 2002 ظلت تؤشر إلى مشكلات أساسية تواجه الصحفيين والعمل الإعلامي، وللأسف لم تكن النقابة تقترب لملامسة هذه الإشكالات والتصدي لحلها، بل كانت تبدأ بالنكران للأزمة ومحاولة الدفاع عن الواقع القائم للإعلام في الأردن، وبالتأكيد الدفاع عن دورها ومكانتها.

لم تبذل النقابة جهداً حقيقياً للدفاع عن الحريات الإعلامية والتصدي للانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون والمؤسسات الإعلامية، وظلت أقرب إلى الموقف الرسمي، وبقيت تلاحقها الاتهامات بأنها ليست مستقلة وأنها تُحرك وتوجه من الحكومة وأجهزتها الأمنية.

المشهد الإعلامي يغص بالأزمات والمشكلات وأكثر ما تفعله النقابة في أحسن الأحوال إصدار بيان، وفي أحيان أخرى استخدمت النقابة لتمرير مواقف وسياسات حكومية ضد الإعلام، بل ولإدانة الصحفيين والتخلي عنهم في قصص وقضايا شغلت الرأي العام، ولا يمكن أن ننسى قصة الرسوم الكرتونية المسيئة للرسول وموقفها من رؤساء التحرير الذين حبسوا.

لم تتحرك النقابة لمواجهة مشكلة استقلالية الإعلام والمساعي الدائمة والحثيثة للسيطرة عليه، لم تعلي صوتها للقول بأن الحكومة تتدخل من خلال ملكية الضمان الاجتماعي لإطباق السيطرة على جريدتي الرأي والدستور، لم تعلن موقفاً مما جرى مع تلفزيون ATV أبعد من القضايا العمالية والحقوقية للصحفيين رغم كل المعلومات عن التدخل الفج للحكومة والشائعات التي تقول بأن شركة العجائب واجهة للحكومة والأمن.

التدخلات الحكومية في الإعلام لم تتراجع رغم كل الوعود فقد بلغت في تقرير حالة الحريات الإعلامية 74% لعام 2009 وهي أكثر من العام الذي سبقه وبلغت 68%، وأكثر من عام 2004 والتي وصلت إلى 59.4%، ولم يقتصر الأمر عند هذه الحدود فإن 39% من الصحفيين يقولون بأنهم يتعرضون للضغوط والمضايقات وفقاً لهذا التقرير الذي شمل 505 صحفيين من خلال عينة طبقية عشوائية.

ماذا فعلت النقابة اتجاه هذه المعطيات حتى لا نقول الحقائق .. هل تحركت لدراسة هذه المؤشرات الخطيرة .. هل طالبت بتشريعات تجرم التدخل الحكومي بالإعلام .. هل شكلت لوبي ضغط على مجلس النواب لمحاسبة من يقوم بانتهاكات ضد الصحفيين باعتبارها أفعال مجرمة في القانون الوطني والدولي وفقاً للمعاهدات التي صادق الأردن عليها .. بالتأكيد لم تفعل كل ذلك؟.

حتى الاتهامات للصحفيين بأنهم يتلقون رشاوى وهبات من جهات حكومية وغير حكومية مقابل سكوتهم واحتوائهم لم تتصدى لها النقابة، ففي ذات التقرير لحالة الحريات الإعلامية يقر 20% من الصحفيين أن تعرضوا لمحاولات احتواء وإغراءات، و56% يقولون أنهم سمعوا عن صحفيين آخرين تعرضوا لمحاولات شراء الذمم .. فهل يوجد ما هو أكثر ضرراً وخطورة من ذلك .. ومتى تتحرك النقابة للدفاع عن أعضائها وتحصينهم ومساءلة كل من يحاول استمالة الصحفيين واحتوائهم بطرق غير مشروعة.

قصص كثيرة سمعناها خلال السنوات الماضية عن رؤساء حكومات ومدراء مخابرات وعلاقتهم بالصحفيين فهل تكرمت النقابة بإجهاد نفسها بالتحقيق بهذه الشائعات لحماية سمعة الوسط الإعلامي؟!.

الشواهد على أزمة نقابة الصحفيين كثيرة تبدأ ولا تنتهي باجتماعات الهيئة العامة التي لا يحضرها إلا القلة القليلة ولا يكتمل النصاب إلا بالانتخابات، ولا أيضاً بالمؤتمر الوطني الوحيد الذي عقد العام الماضي بعد أكثر من خمسين عاماً على تأسيسها، فنقابة الصحفيين لا ينظر إليها بين النقابات بأنها المدافع الأول عن الحريات، بل أن كثيراً من النقابات تتخذ مواقف أكثر شجاعة في قضايا تتعلق بالحريات الإعلامية.

والحقيقة التي لا تخفى على أحد أن مسؤولية واقع النقابة ليست مسؤولية مجلس النقابة الحالي، بل هي امتداد تاريخي لعقود، وبقيت الأزمة ترحل من مجلس إلى آخر دون شجاعة المواجهة لحسم حقيقة واحدة وهي أننا نريد نقابة مستقلة تدافع عن الحريات وتوقف التدخلات به  وتسهم بشكل جذري في تطوير المهنة.

للأسف لم يحدث ذلك، وآن الأوان أن يتحرك الجسم الإعلامي لتحقيق ذلك، فهذه فرصة تاريخية لن تتكرر، والانتخابات القادمة هي المحك والتجربة لصدقية الجميع بالتغيير، وأعني كل الإعلاميين في كافة مواقعهم وخاصة الشباب الذين يمثلون الغالبية العظمى من الهيئة العامة الآن، فمن تريدون انتخابهم يجب أن يكونوا قادرين على تحرير النقابة واستعادة استقلاليتها .. ومن تصوتون لهم يجب أن يكون مشهود لهم بالدفاع عن الحريات، فهذا هو العنوان الأول للتغيير وإصلاح النقابة .. فهل يكون نيسان المقبل موعداً لانتفاضة الصحفيين من أجل حريتهم ورفضهم للاستبداد والعقليات العرفية التي تدير الإعلام؟!.