هل انتهى زمن التعليم الجامعي للفقراء؟

هل انتهى زمن التعليم الجامعي للفقراء؟
الرابط المختصر

ربما من قبيل المصادفة أن تتزامن تصريحات وزير التعليم العالي د. وليد المعاني، مع نتائج دراسة الفقر التي صدرت عن دائرة الاحصاءات العامة، فقد أشار إلى أن 16 % من العائلات الأردنية ذات الدخل المحدود تستطيع تدريس طالب واحد فقط في الجامعات الأردنية نظرا لارتفاع تكاليف الرسوم فيها!

وقد درسنا نحن ومن سبقونا في الجامعات الأردنية وغيرها، ولم تكن الرسوم الجامعية بالصورة التي هي عليها الآن، على الرغم من تفريط الآباء بأراضي الأجداد وبيعها من أجل تعليم "الأولاد" في الجامعات، حتى يتمكنوا في المستقبل من العمل في وظيفة يعيشون منها.

يبدو أن تلك الأحلام الوردية في التعليم الجامعي قد أضاعت الأراضي الزراعية، في ظل عدم توفر الوظائف وضياع رأس المال الحقيقي المبني على الاقتصاد الزراعي وزيادة نسب الفقر والبطالة نتيجة للاعتماد المباشرعلى الدولة في توفير فرص العمل.

أضف إلى ذلك ما يسمى بالجامعات الخاصة التي أكلت الأخضر واليابس من دون أن يساهم أغلبها في تقدم حقيقي في مسيرة التعليم الجامعي، بل على العكس جعلت من الربح المادي الهدف الرئيسي لها، وتعاملت بصورة فوقية مع الأساتذة المحاضرين فيها.

قال لي عدد من الأصدقاء المدرسين في بعض هذه الجامعات إن أحد أصحاب هذه الجامعات الخاصة قال لهم بالحرف الواحد "يوجد كثير من الدكاترة على سقف السيل"، وذلك عندما طالبوا بحقوق تتعلق بالتأمين الصحي وزيادة الرواتب!

ليس بعيدا عن هذا السياق، فقد أثبتت دراسات كثيرة أهمية العوامل الاقتصادية في الحياة الاجتماعية للأفراد، إذ إنّ انخفاض المستوى الاقتصادي للأسرة يمكن أن تنعكس آثاره على كثير من الجوانب المعيشية الأخرى كالتعليم، الصحة،..الخ، ويمكن أن يمتد هذا التأثير إلى مستوى عمليات التفاعل الاجتماعي بين أفراد الأسرة.

عودة على ما يسمى برامج التصحيح الاقتصادي التي يضعها صندوق النقد الدولي، فالعلاج المقترح من طرف الصندوق يخرب الاقتصاد، يخلع المجتمع المدني للدول المدينة ويسير بالعالم في اتجاه الهلاك، فهذه البرامج مطبقة في أكثر من 100 بلد من العالم الثالث، وأوروبا الشرقية، ولكن لا يمكننا ذكر أي حالة للنجاح البارز.

أمام هذا الفشل الفاضح، فإن صندوق النقد الدولي يحاول أن يؤكد مع ذلك أن التسوية قد نجحت في إقصاء اللاتوازنات الماكرواقتصادية الكبيرة، والواقع أن كثيرا من النتائج الاجتماعية التي تبرز في الواقع كانت نتيجة لمثل هذه البرامج، مثل تراجع المدارس العمومية، حيث تسير كثير من وزارات التربية في اتجاه التخلي عن مسؤولية مراقبة نوعية التعليم، ما شجع بالمقابل انتشار المدارس الخاصة. ومن النتائج الأخرى، لبرنامج التصحيح الاقتصادي، إعادة هيكلة قطاع الصحة. إذ يطرح البنك فكرة المصاريف الخاصة بالعلاجات الأولية، والنتيجة أن بعض مراكز الصحة في البلدان الأفريقية أصبحت مصدرا للأمراض المعدية، حيث يظهر بالموازاة مع ذلك سوء إدارة المراكز الطبية نتيجة النقص الفادح في اقتناء الحاجات الأساسية. فهل ثمة حقائق أخرى يمكن لها أن تفسر أكثر من ذلك واقع الحال الذي وصلنا إليه؟