هل الاختلالات الهيكلية قدر الاقتصاد الأردني؟

هل الاختلالات الهيكلية قدر الاقتصاد الأردني؟

قبل انفجار أزمة 1989 الاقتصادية، كان من النادر أن تتطرق المواقف الرسمية للاختلالات الهيكلية في الاقتصاد الأردني. وباستثناء وثائق خطط التنمية الاقتصادية الاجتماعية (73/ 1985) التي كانت تعترف على خجل بهذه الاختلالات، وتتناولها من خلال تثبيت أهداف إيجابية للتغلب عليها، مثل سعيها لتقليص العجوز في موازنة الحكومة والميزان التجاري، وأحياناً الحساب الجاري لميزان المدفوعات، أو النص على تصحيح التوازن ما بين القطاعات المنتجة والقطاعات الخدمية لصالح الأولى، وأخيراً النص على تخفيض حجم المديونية بالأرقام المطلقة أو كنسبة إلى الناتج المحلي الاجمالي- نقول باستثناء تلك الوثائق التي لم تكن بمقدورها تفادي ذكر الاختلالات والتشوهات الهيكلية في الاقتصاد الأردني.

أزمة 1989 كانت قاصمة للظهر، وبات تصحيح الاختلالات الهيكلية هو جوهر برنامج التصحيح الاقتصادي الذي فُرضَ على الأردن، ولمدة تزيد على العقد، من جانب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ثمناً لطلبنا إعادة جدولة ديون الأردن الخارجية التي تفاقمت خلال النصف الثاني من الثمانينيات.

من آثار تلك الأزمة وأفدح أثمانها حينذاك فقدان الدينار الأردني جزءاً مهماً من قيمته وتراجع أسعار صرفه أمام العملات الرئيسية، وهو الذي كان عنواناً لاستقرار الاقتصاد الأردني وقوته. على أن الحكومات الأردنية المتعاقبة ومعها البنك المركزي الأردني عملت لسنوات طويلة على استعادة ثقة المقرضين والهيئات الدولية، من خلال الالتزام الصارم ببرنامج التصحيح الاقتصادي.

وما إن حل العقد الأول من القرن الجديد حتى كان بوسع الأردن التحرر من الرقابة الصارمة للهيئات الدولية على السياسات المالية والنقدية الأردنية، ولم يعد مضطراً لتنفيذ أو تمديد البرامج التصحيحية التي فُرضَت عليه.

فعلاً، تحرر الاقتصاد الأردني من عدد من التشوهات أو الاختلالات الخارجية، حيث تراجع العجز في الموازنة العامة وكذلك المديونية الخارجية. لكن مظاهر العافية التي دبت في الاقتصاد الأردني لم تستمر طويلاً، ففي غضون أقل من خمس سنوات، كدنا فيها نتنسم هواء الحرية بعيداً عن الرقابة الصارمة لصندوق النقد الدولي وشقيقه البنك الدولي، عاد الحنين إلى الممارسات الاقتصادية الخاطئة، ولتتجدد معها وتتفاقم سنة بعد أخرى، الاختلالات الهيكلية وفي مقدمتها تنامي العجز في الموازنة العامة، وصعود المديونية العامة (ولا سيما الداخلية).

أما فيما يخص الاختلالات الهيكلية الداخلية، فحدث ولا حرج، فهي، من حيث المبدأ، لم تتراجع أو تزل، حتى مع تنفيذ برنامج التصحيح الاقتصادي الصارم تحت رقابة صندوق النقد الدولي (فالاختلالات الداخلية لم تدخل ضمن اهتمامات الأخير).

معدلات البطالة والفقر لم تنخفض خلال العقدين الأخيرين. كما أن الاختلالات القطاعية، اي ما بين قطاعات منتجة وأخرى خدمية، (ومثلها على صعيد توزيع القوى العاملة) ظلت على حالها، كما ان نسبة الناشطين اقتصادياً إلى اجمالي القوة البشرية بقيت على حالها أيضاً، من حيث الانخفاض والتواضع.

فهل كتب على الاقتصاد الأردني أن يبقى أسيراً أبدياً للتشوهات والاختلالات الهيكلية، ولماذا تراجعت "اليقظة السياسية" تجاه عودة هذه الاختلالات، وبماذا نفسر "التسامح العام" مع الحكومات المقصرة، والمسؤولة عن عودة الاختلالات إلى اقتصادنا أو تضعنا تحت رحمة القوى الدولية!!

قبل 1989، وحين كانت نذر الأزمة تظهر تدريجياً، منذ مطلع الثمانينيات، ظل الرهان الرسمي على أن التضامن العربي والدعم الدولي الصديق سوف يحمي الأردن من آثار انفجار أزمة المديونية، وعززت الممارسات المالية الخاطئة والمجازفات وغياب الشفافية المالية رجحان كفة الانفجار. وقد دفعنا الثمن باهظاً في حينها، فهل يجوز أن ندفع ثمن ذات الخطأ مرتين؟

هل "أدمن" الأردنيون التعايش مع الاختلالات، حتى ساد الاعتقاد بأنها "قدرهم الخاص" الذي لا راد له؟ ألا يسود اعتقاد ضمني، ليس فقط لدى المستويات القيادية من المسؤولين وانما أيضاً لدى أوساط اجتماعية وسياسية واسعة بأنه، وفي اللحظات الحاسمة، لن يُترك الأردن وحده ليعاني من آثار الأزمات إذا انفجرت؟! أو ليس هذا الاعتقاد أقرب الرهانات غير المضمونة الى أي شيء آخر؟!

ما نراه حولنا من أثمان باهظة تُدفع لقاء مجازفات الحكومات أو الشركات أو البنوك يقول لنا أن لا حصانة لأحد، وأن الثمن هو بحجم المخاطرة.

أضف تعليقك