هل «أفلت» الأردن حقا من الربيع العربي؟
بعد أشهر من تراجع زخم الحراك الشعبي السياسي في الأردن، يبدو طرح السؤال أعلاه منطقيا ومبررا، ولكن الإجابات عنه تحمل الكثير من الاختلافات في وجهات النظر. ما يثير القلق فعلا هو وجود نزعة لجواب مرتاح يصدر من قبل دوائر صنع القرار والتأثير عليه في البلاد مفادها أن الأردن قد “افلت” فعلا من تداعيات الربيع العربي التي اصابت العديد من الدول الأخرى وأن السبب في ذلك نوعية المقاربة الأمنية للاحتجاجات الشعبية والتي تضمنت الكثير من الاحترافية والمهنية في الحرص على الحد الأدنى من الأذى بحق المتظاهرين. هذه المقاربة ربما تكون سليمة نسبيا ولكنها تغفل إما نتيجة رغبة مسبقة أو عدم توسع في آفاق التفكير، أن البعد السياسي للتحول الإصلاحي هو الاساس في تخفيف حدة التوتر في الشارع وأن المزيد من هذه الإصلاحات وليس توقفها هو الذي سيمنح الحصانة الدائمة للدولة والنظام في مواجهة اية احتجاجات شبيهة في المستقبل.
خفوت الحراك والاحتجاج في الأردن مرده إلى ثلاثة عوامل اساس. العامل الأول، تحقيق نسبة منطقية ومعقولة من الإصلاح السياسي خاصة التعديلات الدستورية وإنشاء نقابة المعلمين والتصدي النسبي للفساد والانفتاح الإعلامي بالرغم من جمود قانون الانتخابات وتراجع العمل الحزبي واستمرار التشريعات المقيدة للحريات. العامل الثاني، الاحترافية الأمنية بالطبع والتي لا يمكن أن ننكر دورها في التقليل الكبير من حجم العنف والخسائر التي كانت ستنتج عن مواجهات مفتوحة مع المتظاهرين كما في بلدان عربية أخرى. العامل الثالث، الوعي الذي أظهره الرأي العام الأردني والنشطاء السياسيون والحرص على عدم الاندفاع في مسار سيؤدي إلى خلل أمني داخلي ودوامة من العنف خاصة في ظل متابعة التدهور المؤسف للأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية في كافة الدول العربية التي خاضت “تجربة” الربيع العربي.
مع تأكيد هذه العوامل من الخطأ بل الخطر الاقتناع بأن الأردن قد أفلتَ من تداعيات الربيع العربي فلا بد من استمرار اليقظة والحرص لأن الكثير من العوامل الجذرية التي أدت إلى حدوث الاحتجاجات والحراك لا زالت موجودة ولم تتحسن. ممارسات الفساد والتعدي على المال العام وسوء توزيع موارد التنمية والظروف الاقتصادية السيئة لا زالت كلها موجودة ويمكن لها في أية لحظة أن تثير المزيد من الاحتجاجات والغضب الشعبي. لا مجال للركون والاستكانة إلى نظرية أن الأردن أفلتَ من الربيع العربي؛ لأن ذلك قد يخلق حالة من “الاستعلاء” الجديد على حقوق المجتمع وعلى الأسس الرئيسة في إدارة الدولة والذي كان سببا جوهريا في خلق الأزمة السياسية-الاقتصادية والتي بدأت تداعياتها في الأردن في النصف الثاني من العام 2010 وقبل ثورة الياسمين في تونس بأشهر.
بإمكان الأردن أن ينجو تماما من الجزء السلبي من آثار الربيع العربي وأن يستفيد من الجزء الإيجابي ويحصن نفسه من المشاكل الداخلية في حال المضي قدما وبجدية في مسار إصلاحي سياسي-اجتماعي يترافق مع استعادة الدولة لدورها الأمني في ضبط التجاوزات الاجتماعية الكثيرة التي زادت مؤخرا. هذا يتطلب المزيد من الخطوات الإصلاحية وليس الثقة الواهية بقدرة الحل الأمني الاستراتيجي على حماية الدولة.
الأردن يحتاج إلى عقد اجتماعي-سياسي جديد بين الدولة والمجتمع يختلف عن العقد السابق الذي اعتمد على النظام الريعي والاعتماد شبه الكلي على الخدمات الحكومية والتحول نحو ديمقراطية ملكية دستورية سليمة الأسس تنقل المسؤوليات والأعباء المتعلقة بإدارة الدولة إلى حكومات منتخبة قابلة للمساءلة المتزنة من قبل الشعوب بدلا من أن يكون النظام في الواجهة دائما.
الدستور