هكذا تم إفشال التوافق
كانت فشلا مؤسفا لمشروع التوافق البرلماني، أول جلسة مشتركة للنواب مع مجلس الأعيان الجديد.
لم يكن ذلك ذنب أي من الطرفين، بل هو ذنب مسائل إجرائية خلافية، لم يكن رئيس مجلس الأعيان الجديد، دولة الأستاذ عبدالرؤوف الروابدة، جاهزا لها، وكان أداؤه خلافيا لا ينسجم مع طول باعه وخبرته البرلمانية. وقاد الخلاف "الدستوري" الإجرائي إلى نسف التسوية التي أنجزت بشأن قانون الضمان الاجتماعي. وهو ما أغضب النواب. وأوشكت الجلسة أن ينفرط عقدها حين تداعى نواب لمغادرتها، لولا تدخل زملاء لهم لوقف الانسحاب.
ولنعد إلى ترتيب الأحداث: فقد كان تقرر عقد جلسة مشتركة لمجلسي النواب والأعيان لحسم الخلاف حول بعض بنود قانون الضمان الاجتماعي. وحسب النص الدستوري، إذا حدث خلاف وأصر كل من المجلسين على رأيه، تنعقد جلسة مشتركة لبحث الموضوع، ويكون القرار بأغلبية الثلثين. وقد استبقت اللجنتان المعنيتان في المجلسين الأمر بمفاوضات مكثفة، أسفرت عن التوافق على مقترح ثالث بديل يتعلق بنقطتين: الأولى، هي علاوة غلاء المعيشة للتقاعد المبكر، والتي أقرها النواب ورفضها الأعيان. إذ تم التوافق على بقائها للرواتب التي تقل عن 500 دينار. أما النقطة الثانية، فهي إقرار التأمين الصحي، لكن ابتداء من العام 2015.
لم يغب عن ذهن النواب العائق الإجرائي في النظام الداخلي لمجلس النواب، والذي ينص على أن التصويت في الجلسات المشتركة يكون إما على قرار النواب أو الأعيان، ولا يشير إلى مقترحات بديلة. لكن الدستور لم يذكر هذا القيد في التصويت، وكذلك الحال في النظام الداخلي لمجلس الأعيان، وهو المعمول به في الجلسات المشتركة؛ إذ يقول النص باجتماع المجلسين لبحث القضايا الخلافية واتخاذ القرار بأغلبية الثلثين، وهناك سوابق بطرح اقتراح توافقي بديل. وعلى ذلك ذهبنا إلى الجلسة المشتركة ونحن مطمئنون إلى التوافق الذي تم.
لكن فوجئنا في الجلسة بطرح يطعن في دستورية أي عرض لمقترح بديل، ويصر على التصويت إما على قرار النواب أو الأعيان. وبدا الرئيس غير مهيأ للموقف، يستدرج آراء حول الموضوع. وانتهى وسط فوضى ونقاط النظام إلى تصويت شكك البعض في سلامته، تم بموجبه منع تقديم اقتراحات بديلة. ثم بدأ الرئيس التصويت على البنود الخلافية؛ ففاز قرار النواب بالأغلبية في أول بندين، قبل أن يعترض البعض بأن الأغلبية دستوريا يجب أن تكون بالثلثين. وأفتى الرئيس بأن ذلك ينطبق فقط عند التصويت على القانون بمجمله، ثم تراجع ووافق على فتاوى مضادة بأن كل التصويتات بالثلثين. وهكذا انقلب فوز قرار النواب إلى خسارة. ولما كان مستحيلا أيضا فوز قرار الأعيان بأغلبية الثلثين، فقد أصبحنا أمام خطر رد القانون والعودة إلى القانون المؤقت السابق سيئ الصيت، موجهين لطمة خطيرة للمواطنين. فأصبح النواب يصوتون لصالح قرار الأعيان كلما فشل قرارهم في الحصول على الثلثين. ذلك أن فشل كلا القرارين في أي بند مهما كان ثانويا يعني العودة إلى القانون المؤقت القديم. وكان هذا بعد رفض الرئيس الاستجابة لمناشدات حارّة من نواب بتأجيل الأمر جلسة واحدة للوصول إلى تفاهم حول الموضوع.
ما حدث كان سيئا. والأخطر أنه يثبت عرفا خاطئا يتزيّد على الدستور؛ بمنع الحق الطبيعي للمجلس المشترك في الوصول إلى توافقات بديلة.
والآن، لتدارك الموقف، لا بد من اللجوء فورا إلى المحكمة الدستورية لتفسير المادة 92 من الدستور. فهناك قوانين خلافية مهمة جدا تنتظر توافقات بديلة، مثل قانون الكسب غير المشروع، وقانون التقاعد المدني
الغد