هجرة معاكسة من القطاع الخاص

هجرة معاكسة من القطاع الخاص
الرابط المختصر

في اطار تبرير الحكومات للرواتب الكبيرة التي صرفت لموظفين جرى ابرام عقود خاصة معهم تبين ان معظمهم جرى استقدامه من القطاع الخاص, وانه يملك من الكفاءات والمؤهلات التي تمكنه من القيام باحداث نقلة نوعية في الادارة العامة التي تعاني من البيروقراطية والترهل, وبالتالي لا مانع من استحداث استثناءات في سلم الرواتب وخلق فجوة بين العاملين في الحكومة مقابل استقدام تلك الفئة.

تلك الحجج تواصل اطلاقها من مسؤولين على مر السنوات القليلة, وتم تأسيس طبقة جديدة من الموظفين من خارج رحم جهاز الدولة الاداري, لهم امتيازات خاصة وحوافز غير موجودة اصلا في النظام المالي الرسمي.

طبعا الامتيازات المالية التي حصلت عليها تلك الفئة من الموظفين اثارت سخط باقي الموظفين في الدولة لما اعتبروه ازدواجية في التعامل غير المبررة وبدليل ان القطاع العام يملك من المؤهلات والكفاءات التي من خلالها يستغني عن استقدام تلك الخبرات من الخارج.

مروجو استقدام خبرات القطاع الخاص الى القطاع العام من قبل فئة ممن قادوا عمليات تحديث الدولة وتطويرها تبين في النهاية انهم قادوا خطة ترجمة لقوانين ادارية اجنبية اسقطوها بـ " البراشوت" على الحكومات المختلفة التي نفذت ما ورد فيها من دون فهم حقيقي لها او حتى لطبيعة وخصائص جهاز الدولة الرسمي.

ما كان لتلك الفئة من موظفي العقود الباهظة ان ينمو هيكلهم بهذا الشكل لولا الطفرة المالية الاستثنائية التي تلقتها الحكومات من مساعدات اجنبية طارئة, مما دفعه الى التعامل مع الوضع الراهن في الجهاز الاداري بالنسبة للرواتب كما لو انه في دولة غنية.

اليوم المشهد الاداري الرسمي بات مختلفا عن السنوات السابقة بشكل جذري, فالقطاع الخاص ونتيجة الازمات المالية التي يمر بها بسبب تداعيات الازمة العالمية التي قلصت من انشطته وادت الى تراجع في ارباحه بات اللجوء للوظيفة العامة مكسبا مهما لفئة طالما كانت تعتقد نفسها بان الطلب عليها نتيجة فهلوتها بـ "الترجمة " لن ينقطع, وهنا بدأ المجتمع الاردني يشاهد هجرة معاكسة وطوعية لموظفين كبار في القطاع الخاص من اجل الدخول في القطاع العام تحت مسميات جديدة وبعقود خاصة, لا بل بدأ الكثير من تلك الفئة بالتوسط المستمر لدى كبار المسؤولين في الدولة لتوظيفه او تعيينه في عضوية مجلس ادارة او امين عام او مدير عام او ما شابه ذلك لان الامتيازات والحوافز في مخيلته اكثر مما هو موجود في القطاع الخاص.

إلا ان الاعتقاد السائد في المجتمع ان تسارع وتيرة الطلب على الوظيفة العامة من قبل مسؤولين في القطاع الخاص كانوا يتقاضون عشرات الالاف من الدولارات في مهنهم عائد لسبب رئيسي وهو ان عمليات التطاول على المال العام بات أسهل وفيه "هبرة" كبيرة تغني لولد الولد, والكثير منهم سرعان ما يستلم منصبه ليبدأ بسلسلة ترتيبات ادارية لاعماله الخاصة لما بعد المنصب الرسمي.

مدونة السلوك الوظيفي التي اصدرتها الحكومة مهمة من الناحية النظرية, اما من الناحية العملية فان التجارب تدلل بوضوح على خلل في التطبيق والتهرب من التنفيذ من قبل المسؤولين, ولن يكون لها مفعول قوي ومؤثر وموجه إلا من خلال اناطة تنفيذ البرنامج بهيئات الدولة الرقابية الدستورية لا ان تناط بحكومة معينة سرعان ما يجتهد وزراؤها ويتفننون في ايجاد المبررات والمسوغات لتنفيذ مشاريع وبرامج معينة ثبت ان الكثير منها مخالف للقانون.

العرب اليوم

أضف تعليقك