هارلم شيك وعبدة شيطان وأشياء أخرى

هارلم شيك وعبدة شيطان وأشياء أخرى
الرابط المختصر

في مجتمعات ما بعد ثورة المعلومات، يفهم أن تتطور سياقات وظواهر اجتماعية غريبة في تلك المجتمعات، والمقصود بهذه التكوينات هي المجتمعات الغربية التي قطعت أشواطا طويلة في مرحلة ما بعد الحداثة، حيث تفككت قيم المجتمع والعائلة، وأصبحت ثقافة ما بعد الاستهلاك وما بعد الواقع الذي نعرفه ونتخيله ونضع في مخيالنا صورته هي التي تفرض هيمنتها وبقوة على أجيال الشباب!ورغم هذه الظواهر إلا أن المجتمعات الغربية ظلت منتجة معرفيا وتقنيا بشكل مذهل دون أن ينقاد المجتمع إلى الكارثة أو الهاوية كما يحاول البعض تصويرها، فهم ما يزالون يتصدرون العالم في كل مجالات التقنية والرفاه الاقتصادي والعطاء الثقافي.

وبدا من الواضح أننا نقلد الشكل المنحرف في هذه المجتمعات من حيث ظهور طقوس وعبادات ورقصات، لا تمت لواقعنا بصلة ولا تقترب منه على الصعيد الاجتماعي الاقتصادي، فنحن مجتمعات في أطوار التكوين الأولى، قياسا بالفارق الكبير الذي يصل إلى أكثر من قرنين؛ من حيث تطور السياق الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لبلدان الغرب والولايات المتحدة الأميركية.

فمثلا من نسق هذه السلوكيات انتشار رقصة "الهارلم شيك"، في الآونة الأخيرة، بين أوساط الشباب تحديدا، ويزداد بشكل مطرد الإقبال عليها في المجتمعات العالمية، ووصلت الحمى مبكرا لدول الربيع العربي وخصوصا مصر وتونس.والطريف أنها في الحالة العربية المغبونة شعوبها سياسيا ومعرفيا أخذت بعدا سياسيا، فقد تحولت رقصة "هارليم شيك" إلى نوع من أنواع الاحتجاج على الأوضاع السياسية القائمة في زمن ينبئ بتردي الحالة الثقافية والسياسية في المجتمعات العربية التي تحاول أن تقلد الغرب وتسايره حذو النعل بالنعل، وهذا يؤكد ضحالة الأبعاد الثقافية في فكر بعض الشباب، ويقر بهزيمتنا ثقافيا عندما غابت مفاهيم الأمة والوطن والإيمان بالقضايا الوطنية والقومية التي تؤسس لدول قوية تخرج على سيطرة القوى الغربية.

فالشباب في هذه الحالة يعاني من غربة وتغريب وتفريغ من كل المفاهيم والقيم الاجتماعية والوطنية التي يعيشها ضمن إطار المجموعة، وأصبحت الفردانية الخالصة والأنانية هي سمة مجتمعاتنا، وسقطت مفاهيم الوحدة والتحرر والعدالة الاجتماعية لتحل محلها قيم ما بعد الحداثة.وضمن هذا السياق الهارب من واقعه يدخل عبدة الشيطان، القضية التي أصبحت موضوعا عاما يتداوله الناس والخطباء في المساجد والتركيز في خطابهم على الشكليات من لبس الحجاب وعورة المرأة والتمسك بقيم السلف الصالح.

ولكن هل تم تقديم تفسير اجتماعي وثقافي لجنوح الشباب لهذه الأفكار المجنونة التي تخرج عن سياق الواقع المعتاد؟ ثمة تصور واضح في أذهاننا أننا أصبحنا مجتمعات مفرغة من مضمونها الوطني والقومي والثقافي، وأن مستقبلنا يحمل كثيرا من التفكيك والتغيرات الاجتماعية السلبية، وقادم الأيام ستكشف لنا أشياء أخرى غير الهارلم شيك وعبدة الشيطان.

الغد

أضف تعليقك