هؤلاء «انسحبوا» وتركوا الناس وحدهم في الميدان

هؤلاء «انسحبوا» وتركوا الناس وحدهم في الميدان
الرابط المختصر

غابت معظم الشخصيات السياسية عن الساحة طيلة الايام الثلاثة الصعبة التي تلت قرار رفع الدعم، وللانصاف سمعنا اصوات عدد من رجالات الدولة لا يتجاوز عددهم نصف اصابع اليد الواحدة، لا نعرف –بالطبع- لماذا اختار هؤلاء الصمت واعتزلوا في بيوتهم؟ هل كانوا بانتظار ما ستفضي اليه الاحداث من نتائج لكي يختاروا “الموقف” الذي يناسبهم؟ هل ارادوا ان يعبروا عن موقفهم الرافض للاجراءات الحكومية؟ هل فعلوا ذلك “نكاية” بالرئيس الذي سبق وعارض سياستهم او حجب “الثقة” عنهم؟

مهما كانت الاسباب والمبررات، سياسية او شخصية، فان غياب معظم رجالات الدولة وشخصياتها “المعتبرة” عن الحدث، وضع علامة استفهام كبيرة على الدور والواجب الذي يفترض ان يقوم به هؤلاء الذين يشكلون “عصب الدولة” وخزّانها السياسي في مواجهة “النوازل” التي قد تعصف بنا في اي وقت من الاوقات، صحيح انه قد يكون ليس مطلوبا منهم “الدفاع” عن المقررات الحكومية، او الانحياز لرئيسها، وصحيح انهم –ربما- تفاجأوا مثل غيرهم بردود افعال الشارع، لكن الصحيح ايضا ان “الدولة” كانت بحاجة اليهم، واقلها للتعليق على الحدث واشهار مواقفهم منه، والمساهمة في “تنوير” الرأي العام بالحقيقة، وارشاد “صانعي القرار” الى الصواب.

لم يقتصر “الغياب” على رجالات الدولة السابقين، وانما كان من “اللافت” غياب الاخوان المسلمين –ايضا- عن الشارع، فقد خلت مسيرة “الجمعة” امام المسجد الحسيني من مشاركة اي من قيادات “الحركة” ومن الممكن ان نفهم ذلك في سياق “الحسابات السياسية” التي دفعت الاخوان لكي “ينأوا” بأنفسهم عن اعمال “الشغب” او في سياق “المقايضات” التي جرت بينهم وبين الحكومة، لكن ما لا نفهمه هو “استقالة” الاخوان عن قيادة الشارع وتوجيهه سياسيا في “لحظة” خطرة وجدنا فيها انفسنا امام “ردود غاضبة” تحتاج فعلا لمن “يضبطها” في تجاه سلمي وعقلاني بعد ان اوشكت على الانفلات.

على الطرف الحكومي -ايضا- كان الحاضر الوحيد هو رئيس الحكومة الذي تنقل بين الشاشات العربية والمحلية مدافعا عن قراره، صحيح انه اجتهد في تقديم ما يلزم من “مبررات” لتسويق القرار شعبيا، لكن الصحيح ايضا انه كان يتحرك بمعزل عن “مطبخ سياسي” وعن “طاقم اعلامي” الامر الذي جعل خطابه يتراوح بين “مطبات” واخطاء واشارات ولّدت احيانا ردود فعل سلبية، وسمحت للبعض بتوظيفها لاستفزاز الشارع، فيما كان من اللافت –ايضا- غياب “الفريق الاقتصادي” عن الواجهة وربما كان ذلك مقصودا وبايعاز من الرئيس.

على “الضفة” الاخرى، سجلت معظم الاحزاب غيابا لافتا ايضا، فباستثناء بيانات مختصرة لم نسمع اي حركة “للاحزاب” او صوت “لزعاماتها” فيما شهدنا حضورا لبعض النقابات وابرزها نقابة المحامين والمعلمين وحضورا ايضا لبعض اتحادات الطلبة في الجامعات، اما مؤسسات المجتمع المدني الاخرى فقد التزم معظمها الصمت.

لا يمكن –بالطبع- ان ننسى الحاضر الاقوى في المشهد وهو “اجهزة الامن” التي تحملت اعباء القرار والغياب السياسي، وسواء اصابت او اخطأت فانها قامت بدورها “الوطني” ونجحت فيه ايضا.

باختصار، اتاحت لنا الايام الثلاثة الماضية ان ندقق في “خرائط” السياسة في بلدنا، وان نعرف “وزن” مجتمعنا سياسيا وامنيا، وان نقرأ بوضوح “ادوار” الفاعلين فيه ومواقفهم وحساباتهم واتجاهاتهم، وهذا يكفي لمعرفة ما جرى وما يمكن ان يحدث في المستقبل.. والاهم معرفة ما يمكن ان يفعله الناس حين يأخذون زمام المبادرة ولا يجدون امامهم الا “حماسهم” وردود افعالهم، بعد ان تفاجأوا بان من كان يتقدم صفوفهم او يخطب امامهم على الشاشات قد انسحب من المشهد وتوارى عن الانظار.

الدستور