نوتردام..واغتيال حتر
لنقتحم موضوعة (نوتردام)،و مثل هذه الموضوعات ،إن أردت ان تتحدث عنها بالعلن كما تفكر بداخلك فهي من المحرمات .
و نوتردام يا سادة، ليست كنيسة،نوتردام ارث انساني حضاري ،مثل ابي الهول و تمثال بوذا،مثل معابد الانباط، مثل كعبة قريش، مثل كل ارث يجعلنا نفتخر بعظمة الإنسان .
قبل سنوات كنت في فرنسا،رأيت الطوابير تقف امام كاتدرائية نوتردام،مثلما رأيتها تقف امام متحف اللوفر و امام برج ايفل،طوابير نوتردام كانت لسياح من كل العالم والأهم من كل الديانات او اللا ديانات(يزور الكاتدرائية شهريا حوالي مليون سائح)،لا يزورونها لتأدية قداس الأحد و لا للتوقيع على اعترافاتهم امام قس الكنيسة ،يزورونها للاستمتاع بموجوداتها و الاندهاش بفن عمارتها و زخارفها و لوحاتها.
خلال تجوالي في شوارع باريس كنت اسأل نفسي:كيف صمدت هذه المدينة و عمارتها و متاحفها و كاتدرائياتها امام هتلر و دباباته و بطشه و لم يكن في بالي ان يأتي تماس كهربائي بسيط ليدمر ما عجز عنه هتلر،او لربما كان لدى هتلر المسكون بالفن التشكيلي تقدير لعظمة نوتردام و بعد نظر لأهميتها و معناها اكثر من ذاك الموجود لدى ابناء العرب و المسلمين الذين ما انفكوا يكتبون شامتين و فرحين بما جرى .
حين زرت دبي زرت مسجد زايد،و حين زرت العراق زرت الحضرة الكاظمية، حين زرت باريس زرت نوتردام ،و في امريكا دخلت مساجد المسلمين و كنائس المسيحيين و معابد اليهوديين ،دخلتها لمناسبات ثقافية او اجتماعية و ليس للصلاة و لا للعبادة،و حين زرت نوتردام زرتها للسياحة و أبهرتني و اليوم اكتب عنها كما كتب الملايين غيري لأعبر فقط عن خسارة الانسانية بما حدث.
راعني حجم الشماتة التي رأيت تخيلوا ان نفقد خزنة البتراء في زلزال و ان يخرج علينا شاب فرنسي ارعن متطرف جاهل و يكتب على الفيس بوك فرحا شامتا.
درسنا في التاريخ ان إبره الأشرم المسيحي جاء ليهدم كعبة الوثنيين المشركين في قريش،لكن (الله)أرسل طيرا أبابيل لتنقذ من يشركون به و يسلطها على الذين جاؤوا يحملون رسالته،انا فرحت لنهاية القصة الأسطورة لكن سبب فرحي هو بقاء الرمز المكاني لشعب مهما كانت ديانة او عقيدة هذا الشعب ،اصحاب الفكر الديني فرحوا لنتيجة معركة الفيل لانها انقذت ما سيصبح يوما رمزا لهم و محجا لهم و مسرى لنبيهم رغم ان الذي انتصر هو من لا يعبد الله و من انهزم جاء لينشر رسالة الله. حريق نوتردام امس و من قبله حادث مسجد النور في نيوزلندا حادثان مؤلمان يبعثان على الحزن من ناحية إنسانية لكن المتطرفين و أعداء الانسانية أبوا الا ان يروننا وجههم القبيح،وجههم الإرهابي،وجههم الذي يقف امام كل الاشياء الجميلة في الحياة:الفن ،الفرح،السلام،الحب،أو بعد كل هذا تسألون لماذا يبتعد البعض عن الدين،و لماذا يرفض البعض الدين بالمطلق.
هذان الحادثان و ما جرى من احداث على مستوى الاردن(اغتيال ناهض حتر،تحول نجل نبيل صوالحة للإسلام،حادثة البنت المسيحية التي اسلمت في عجلون قبل سنوات) تؤكد حقيقة تحدثت عنها بشكل مفصل قبل ثلاثة أعوام في مقال نشرته بعيد وفاة شادي ابو جابر و هي حقيقة يحاول الجميع ان يتغاضى عنها و ان يغطوها بغربال نفاقهم و مجاملاتهم و هي باختصار و بوضوح و بدون تزويق او تجميل:
التعايش بين المسلمين و المسيحيين في بلادنا كان أكذوبة و لازال أكذوبة و سيبقى أكذوبة .