نعم.. آن أوان المراجعات الداخلية

نعم.. آن أوان المراجعات الداخلية
الرابط المختصر

كانت لافتةً دعوة أمين عام حزب جبهة العمل الإسلامي الشيخ حمزة منصور، أمام مجلس شورى الحزب، الأسبوع الماضي، إلى ضرورة "توفير التطمينات لسائر الشرائح الاجتماعية، بسلمية مشروع الحزب الإسلامي، ورفضه للعنف والإقصاء"، وذلك لمواجهة ما سماها "المؤامرة الإقليمية لإجهاض المشروع الإسلامي".

وقد يكون الأهم في هذه الدعوة لنوع من المراجعة داخل الحركة الإسلامية، هو تسريبها للصحافة والرأي العام، بعد يومين من توجيهها من قبل قيادة الحزب لمجلس شوراه، الذي يعد أعلى هيئة قيادية للحزب، وراسم سياساته وتوجهاته، الأمر الذي عكس حرص الحزب على أن رسالته موجهة أيضا للرأي العام والقوى السياسية الأخرى، وإلى الجانب الرسمي أيضا.

دعوة منصور، التي يفترض أن تكون قد بلورت وقررت ضمن مطبخ القرار في الحركة الإسلامية، بجناحيها الإخوان المسلمين وجبهة العمل الإسلامي، شددت أيضا على أن التصدي لـ"المؤامرة" ضد المشروع الإسلامي "لا بد أن يستند إلى الحوار البناء، والتمسك بالسلمية، وعدم الانجرار لردات فعل غير محسوبة، توقع في شراك الخصوم السياسيين وأعداء الأمة الخارجيين".

المتمعن في ثنايا دعوة منصور، والتي تعكس بلا شك موقفا رسميا للحركة الإسلامية، يلاحظ أن فيها تقدير موقف مختلفا، ورؤية سياسية جديدة نسبيا للحركة الإسلامية، قد لا تكون تبلورت بصورتها النهائية بعد، لكنها بلا شك رؤية سياسية مختلفة نسبيا عن رؤيتها للصراع والمنافسة مع باقي التيارات السياسية الأخرى في غير دولة عربية، والتي كانت تبلورت ضمن مخاضات وتداعيات "الربيع العربي" الذي قذف بالإسلام السياسي إلى صدارة المشهد.

يمكن فهم الدعوة الجديدة في سياق التغير النسبي في رؤية الإسلاميين الأردنيين تجاه باقي ألوان الطيف السياسي والآيديولوجي، العربية والأردنية، باستذكار ما خلقته الأزمة السورية أساسا، ولاحقا الأزمة المصرية، من انقسامات وصراعات بين التيار الإسلامي من جهة، والتيارات القومية واليسارية، والوطنية والوسطية الأخرى من جهة أخرى، وصلت إلى حد الاقصاء والاحتراب المتبادل، مغلفا باتهامات التخوين والتكفير. فيما هدد ويهدد هذا الاحتراب والصراع بضرب كل إيجابيات وثمرات "الربيع العربي" التي تحققت للعديد من الشعوب العربية.

الصراعات والانقسامات الحادة في الساحة الأردنية، بين التيار الإسلامي وباقي التيارات المنافسة، وإن لم يصل إلى مستوياته في مصر وسورية وتونس، فإنه قد ترك بصمات سلبية عميقة في صفوف المعارضة السياسية الأردنية، التي تبلورت منذ عقدين ونيف تقريبا من تحالف بين التيار الإسلامي، تحديدا الإخوان المسلمون، وبين التيارات والقوى السياسية اليسارية والقومية، وما يدور في فلك التيارين من قوى وشخصيات مستقلة.

الأزمتان السورية والمصرية، والصراعات التي ظهرت وتعمقت بعد وصول المعارضة الإسلامية إلى سدة الحكم في مصر وتونس، وجدت صداها عميقا في تحالف المعارضة الأردنية، بشكله وأطره ما قبل "الربيع العربي". فيما أسهمت مقاطعة الإسلاميين للانتخابات النيابية الأخيرة، وفي ظل تراجع الحراك في الشارع، في إضعاف جبهة المعارضة، وعلى رأسها المعارضة الإخوانية.

الأسوا في تداعيات الأزمتين السورية والمصرية، أن الانقسامات والاستقطابات الحادة لم تقف عند النخب والتيارات السياسية، بل امتدت لتجد تجلياتها وانعكاساتها في الشرائح المجتمعية المختلفة. وهو ما يفرض اليوم على التيارات السياسية المتصارعة إعادة المراجعة لبرامجها وخطاباتها، والتي باتت تغلب عليها الحدية والإقصاء وعدم قبول الآخر.

والدعوة للمراجعة والتقييم الداخلي لا يجب أن تقتصر على الحركة الإسلامية، بل هي ضرورة ملحة أيضا لباقي التيارات السياسية والآيديولوجية، وتحديدا التيار اليساري القومي.

إذا كان الحوار الوطني على مستوى الدولة أمرا مطلوبا اليوم بإلحاح، وبما يشمل الحكومة والمعارضة ومختلف مكونات المجتمع، فالأولى أن تصل المعارضة والقوى الشعبية والسياسية إلى مثل هذا الحوار وهي متوافقة على قواسم مشتركة، لا تلغي خلافاتها وخصوصياتها، لكن تجمعها على قواسم مشتركة، وتؤطر هذه الخلافات والتنافسات والصراعات ضمن آلية سلمية ديمقراطية، وغير إقصائية للآخر.

الغد

أضف تعليقك