مهزلة أردنية اسمها "الليبراليون" و"المحافظون"

مهزلة أردنية اسمها "الليبراليون" و"المحافظون"
الرابط المختصر

لم تكد تنطلق الدعوات لفتح ملفات الفساد في "أمانة عمّان" مطلع العام الجديد حتى نال عمدتها منصباً جديداً بـ"انتخابه" نائب رئيس مجلس إدارة "الملكية"، في وقت لا يمتلك كثيرون –وكاتب المقال أحدهم- الثقة في إمكانية كشف المستور في مؤسسة طالتها الشبهات سنين طويلة، ولا تقنعهم المبرّرات –مهما تعدّدت- وراء تعيين عقل بلتاجي في موقع إضافي.

يحدث في الأردن على غرار عشرات الدول التي تغيب فيها منظومة الرقابة والشفافية، أن يتحزّب سياسيون وناشطون ووسائل إعلام لمسؤول بعينه في سياق تصنيفه كـ"ليبرالي" في مواجهة مسؤولين ينتمون إلى "البيروقراط المحافظ" بعد عقود من تراكم الأخطاء بسبب سوء إدارة القطاع العام وهدر الأموال، مقابل انحياز خصومهم لشخصيات "محافظة" بذريعة وقوفها ضد نهج الخصخصة وبيع مملتكات الدولة على يد ليبراليين منذ تسعينيات القرن الماضي.

ويحدث أيضاً في الأردن أن يدار صراع بين قوى متنفّذة بناء على هذا الاصطفاف، تنخرط فيه فئات شعبية على أسس إقليمية ومناطقية وأحياناً شخصية، في إغفال تام لجملة معطيات من شأنها نسف كل هذا التمثيلية المفبركة؛ أولها أن عمليات الخصخصة تمّت في أثناء وجود من يُصنفّون اليوم في نادي "المحافظين" ويمكن الرجوع إلى محاضر رئاسة الوزراء أو غيرها من السجلات الرسمية التي لا تُظهر اعتراضاً جدياً من قِبلهم على هذا النهج منذ إطلاق "برنامج التصحيح الاقتصادي" قبل ثلاثين عاماً.

ثانيها، أن "الليبراليين" و"المحافظين" لم يمارسوا الاعتراض على سياسات كلّ منهما إلاّ في إطار التعبئة "الشعبوية" ضدّ الآخر، وترافق ذلك مع أفول المعارضة وضعْف تمثليها وصولاً إلى انقسامها في المواجهة التي دارت بين المعسكرين وذهاب بعضها إلى التنظير نباية عنهما.

في استنساخ لتجارب عاشتها بلدان عاث فيها الفساد أمداً طويلاً، مارست قوى في الحكم تأييدها "الزائف" لاحتجاجات عمالية خرجت في مواجهة سياسات "بيوع شركات الدولة" التي استهدفت حقوقها وأمنها الوظيفي، وتبيّن لاحقاً أن المشهد برمّته قد صّمم لتحسين شروط "صفقات البيع" ونيل دعاة الحفاظ على المال العام في السلطة حصة أكبر فيها.

في المقابل، جاء هؤلاء "الليرالبيون" إلى الواجهة مستغلين الظروف الداخلية والخارجية التي تواجه بلدانهم، وواصل جزء كبير منهم عملية النهب المنظّم تحت غطاء الإصلاح الاقتصادي، ولم نسمع منهم في الأردن وغيرها دفاعاً عن كثير من القيم الليبرالية، التي يفترض أن تتأسّس عبر إيجاد منظومة تعليمية جديدة واحترام حقوق الكثير من الفئات المهمشّة وحرية الرأي والتعبير...

لم يكن همّ غالبية "الليبراليين" سوى الحفاظ على مناصبهم وتدويرها، أو الكسب غير المشروع في مواقع مسؤولياتهم، وتكرار أسطوانة أخطاء "البيروقراط" وخطاياهم لتبرير سلوكياتهم في الإدارة.

ولم يتمكّن "الليبراليون" من إحداث فارق يُذكر في التنمية والإصلاح السياسي وتثبيت آلية للمشاركة وتداول السلطة، ليس لادعائهم بـ"صعوبة" المعركة التي يخوضونها ضدّ قوى "الشد العكسي"، إنما بسبب عدم إيمانهم أساساً بضرورة إحداث قطيعة مع كل خطابات "الماضوية" التي يزعمون برغبتهم في تجديدها، لأنهم لو قاموا بذلك سيفقدون حتماً نفوذهم الذي استحوذوا عليه بفعل غياب العدالة الاجتماعية والحكم الرشيد.

يريد "الليبراليون" إيهامنا بأن التعديلات البسيطة على بعض القوانين والتشريعات، ضمن سياق التجزئ والتبسيط المخلّ والمهين الذي يتبعونه، وأن استمرار "التقاسم" بينهم وبين خصومهم بما يمنحهم الغلبة، سيمنحنا أردناً جديداً بمستقبل مشرق، على أن نغفل تأييدهم لكلّ سياسات الإفقار والتجويع وعدم قدرتهم على تقديم نموذج مغاير.

عود على بدء، فإن تحريك ملفات الفساد في "الأمانة" لن يخرج عن قواعد اللعبة المرسومة سلفاً، وإن تعيين "بلتاجيون" في مواقع جديدة لن يحّل الأزمة في الاقتصاد والحكم والأخلاق.

محمود منير: كاتب وصحافي. محرر “تكوين” في عمان نت.