"مهرجان جرش": خلافات على أنقاض القصيدة

الرابط المختصر

من دون تعليق واهتمام يُذكر، مرّ إعلان "رابطة الكتّاب الأردنيين" وإدارة "مهرجان جرش للثقافة والفنون" عن نقل مكان أمسية كان مقرّراً إقامتها في بلدة ذيبان (بالقرب من مدينة مادبا جنوبي العاصمة الأردنية) في 23 من الشهر الجاري إلى عمّان، ضمن تظاهرة الشعر العربي التي ينظّمها المهرجان، وتختتم اليوم الجمعة.

تغيير مكان الأمسية تسبّب فيه اعتراض شعراء من محافظة مادبا ضد ما اعتبروه "إقصاء" لهم عن المشاركة في أمسية تحتضنها إحدى بلدات محافظتهم، ضمن خطة اتبعت منذ سنوات وتقضي بتوزيع الأمسيات على الأطراف، بل إن أحداً منهم لم يحظ حتى بأن يكون "مقدّم" الأمسية.

الخلاف الذي مرّ كزوبعة في وسائط التواصل الاجتماعي لم تنقصه الإثارة والتشويق، إذ أصدر فرع "رابطة الكتّاب" في مادبا بياناً يدين فيه سياسة الرابطة الأم (في عمّان)؛ لأن مجمل أسماء المشاركة "تشكّل بمزاج خاص لا يخضع بالمرة لأي أسس موضوعية ومعايير واضحة سوى تلك التي تحكمها رغبة المسؤولين وصلات الصداقة والقرب في الوزارة (الثقافة) والرابطة معاً"، لتقام أمسيتان في الموعد نفسه، الأولى في مقر الرابطة بعمّان، والثانية احتجاجاً عليها برعاية فرعها بمادبا، وكأن الأخير كيانٌ منفصل لا يتبعها.

تكمن المفارقة في أن أيّا من المعترضين في هذه الدورة، أو في الدورات السابقة، يشكّك في آليات الاختيار، حين يتمّ تجاهله لأسباب تتعلّق بـ"انقطاع" صلاته بإدارة الجهة المنظّمة، بينما سيغضّ الطرف عن الأسباب ذاتها حالما توجّه إليه دعوة في دورة لاحقة، ولا توجد إلى اليوم حالة اعتراض واحدة تشذّ عن هذه القاعدة.

يقرّ الجميع بمبدأ تدوير الأسماء، ففي كلّ عام يشارك حوالي ثلاثين شاعراً تجري مداورة معظمهم، بحيث تتكرّر مشاركة كلّ واحد منهم مرّة كلّ عامين أو ثلاثة على أقل تقدير، بطريقة تضمر قبولهم بآلية الاختيار من دون الاكتراث بنوعية ما يُقرأ في وسط يعترف بكلّ هؤلاء الشعراء.

ما يحدث في "جرش" هو امتداد للمشهد الثقافي المحكوم بمؤسسات يديرها موظفون بذائقة تقليدية غالباً، إن وجدت، بدليل أن الانحياز الغالب هو لصالح قصيدة التفعيلة، والعمودية أيضاً، ولأشكال لا تنتمي إلى الشعر أساساً رغم التمسك بالإيقاع والقافية. مشهد محكوم أيضاً بالشللية التي تمنح قدراً كبيراً من "المساواة" قياساً ببلدان أخرى، لأنها خاضعة للتناوب في توزيع المكاسب الثقافية لاعتبارات مناطقية وإقليمية وجندرية وغيرها.

لا يختلف الأمر في ما يتصل بالأسماء العربية المشاركة، التي يعاد تدويرها بالطريقة نفسها، لدوافع ترتبط بعلاقتهم مع المنظّمين الذين لم يتعرّفوا بدورهم على تجارب أخرى، بالنظر إلى محدودية قراءاتهم الشعرية، لدرجة أن مجموعة منهم شاركت في عشر دورات في المهرجان الذي تأسّس عام 1981.

ربما لم يلحظ أحد عدم وجود مشاركات من بلدان غير عربية مثلما شهدت الأعوام الماضية، التي سبقت إشراك "رابطة الكتّاب" في التنظيم منذ عدّة سنوات، عقب أن تعالت الأصوات معترضة - بما يشبه اعتراضها اليوم - على "إقصاء" الرابطة، التي يرى متابعون كثر أنه منذ دخولها كفاعل رئيسي في المهرجان، تراجع مستوى الاختيار بصورة أكبر.

لا جدوى من تقييم التظاهرة، لأن الهيئات التي تديرها تحتاج إلى تغيير جذري في بنيتها وخطابها وسياساتها التي تنظر إلى الثقافة كزينة أو ديكور وليس كفعل يومي لمقاومة الخراب وتغييره، بينما الواقع ينحدر إلى درجة أن يطالب "مثقف" بكوتا لمنطقته وبلدته وعشيرته للذين يجب أن يمثّلوا مدينتهم وأن يغلقوها في وجه "الغرباء" حتى لو أتوا بذريعة الشعر!