من ينتصر في الإصلاح؟
يشهد الحقل السياسي والمديني الأردني تنافسا وتعايشا بين تصورات ثلاثة مركزية للإصلاح، أحدها ليبرالي، والآخر يساري، والثالث تقليدي وطني. ومع ذلك، فليس للإصلاح توظيفات واحدة المفهوم عند الجميع، بل هناك توظيفات عدة لا تحتل المكانة نفسها، لكنها تجعل الإصلاح مرة في العمق ومرة في الهامش، على اختلاف التناوب بين الجميع في الرؤية والهدف.
بين النماذج الثلاثة ثمة إصلاح يطالب به بعض الأفراد، ممن يشكلون اليوم جبهة وطنية للإصلاح مرة، وجمعية تأسيسية للإصلاح مرة اخرى، ومرة ثالثة تيارا وطنيا للإصلاح. وهناك إصلاح يناقش على موقع "فيسبوك" بين الشباب، بعضهم يقول نعم للإصلاح ولا للوطن البديل، وآخرون يقولون نعم للإصلاح ولا للفساد.. وهكذا دواليك تبدو الموجة مواتية لاستمرار حركة المد والجزر داخل التنظيمات المدنية والسياسية، وفي عمق البنى التقليدية، وفي دواخل المؤسسات واللجان الوطنية الحكومية وغيرها.
لكن على أرض الواقع هناك تأرجح وعدم ثبات؛ هناك سعي حكومي لإحلال الإصلاح مع البطء المرافق لهذا السعي، وهو بطء ممل، وهناك حقل سياسي ومدني يريد الإصلاح يعيش بين ثنائيات "التقليد والحداثة" و"الاستقلالية والانتماء" و"الفرد والجماعة" و"الزعامة والمؤسسات".. إلخ.
اليساري يميل إلى الرهان على الحقل المدني كواجهة سياسية أو منطق سياسي. وهنا نجد جمعيات وهيئات ذات بعد حقوقي أضحت تطرح على نفسها مهمات إنجاز برامج سياسية وتبني مطالب كانت حكرا على الأحزاب السياسية، كالمطالبة بتعديل الدستور أو قانون انتخاب جديد.
والتقليدي يريد الإصلاح لكنه يريد الحفاظ على مكاسبه السياسية، مع الحفاظ على دوره وحضوره في المشهد العام، وفي نيل الوظائف والمواقع العامة. والليبرالي يريد الإصلاح عبر فرص التمكين ودور أكبر لرجال مال جدد، وعدالة على أساس الكفاءة. وهذا مرفوض، لأن الكفاءة لا يمكن أن تعتمد معيارا إلا عندما تكون لدى الناس فرص متساوية في التعليم والعيش.
هذا الواقع أوجد ظرفا صعبا. فالإصلاح الذي سيتحقق عبر اللجان لن يكون نتيجة فعل المجتمع على ذاته، مع أن اللجان تمثل غالب الأفكار والتيارات المنادية بالإصلاح، فالمشكلة أن لدينا مجتمعا فيه ثنائيات هوياتية عدة، في وقت تسعى فيه الدولة للانتقال إلى الدولة الحديثة.
ومع ذلك، فإذا ما سجل الانتصار لصالح هذا الانتقال، سيكون على مختلف التيارات القبول بأن التنافس على إنجاز الإصلاح والديمقراطية سيكون عبر منافسات مقبولة داخل الحقول المدنية للمجتمع وعلى رأسها الأحزاب. عندها لن تكون هناك مشكلة في أن يقدم الليبرالي أو المحافظ أو التقني مشروعه الإصلاحي، بغض النظر عن اختلاف مواقع الفاعلين في ذلك المشروع.
وللخروج من التباعد الموجود اليوم، فإن المطلوب ما يلي: بعد أن تقر أفكار اللجان الموجودة للحوار، يجب أن يكون هناك وضوح مباشر وسريع بجدول أعمال تنفيذي ومدى زمني واضح للإصلاح. والمطلوب أيضا جعل الإصلاح شأنا للحكومات، وليس لأي مؤسسة أن تتدخل في هذا الدور. وبذلك يصبح الإصلاح في مسار تاريخي مجتمعي عام، حتى لا يساء لدور الأردنيين في تحقيق مشروعهم الديمقراطي.
الغد