من نحن؟
صديقنا أمين عام وزارة التنمية السياسية د.مالك الطوال عاد بصدمة حضارية من بريطانيا، حيث تابع الانتخابات البرلمانية، وهو الذي جاء من ملاك وزارة الخارجية وسفاراتنا في الخارج
البريطاني لا يصطحب معه أي وثيقة ولا يطلب منه إبراز هوية الأحوال المدنية، بل فقط يقول اسمه ويأخذ ورقة الاقتراع، ولا تظهر شكوى واحدة من التزوير أو الاقتراع بدل الموتى أو المسافرين أو أبناء العمومة والخؤولة. وهذا الأمر ليس جديدا ولم يظهر ما يستوجب إعادة النظر به.
الداخلية عندنا ما تزال محتارة كيف تضمن عدم الغشّ في الانتخابات، استوردنا "الأختام المائية" في الانتخابات قبل الماضية فاخترعنا "الكوي"، تقرر قصّ البطاقات، فاستصدرت بدل البطاقة عشر للانتخابات الماضية. والنتيجة المنطقية لكل ذلك العودة إلى الكشوف، لكن ذلك يتطلب العودة إلى النظام القديم للتسجيل، وتعيين الصندوق المحدد الذي ينتخب فيه كل فرد، للتمكن من شطب اسمه. ولن يكون ذلك ممكنا في الانتخابات المقبلة بسبب ضيق الوقت لعملية إعادة التسجيل، حيث اخترعت "الدوائر الوهمية" وحيث يختار الناخب أي صندوق اقتراع يشاء
.
لنتخيل لو أن الدولة قررت أن تتعصرن مرّة واحدة وتفعل مثل بريطانيا. أتخيل الناخبين يدخلون إلى غرف الاقتراع واحدا واحدا، فلا يترك أحدهم صندوقا إلا ويدلي بحقه فيه، وقد يزايد على غيره بضرب رقم قياسي فيتابع في مراكز وصناديق أخرى، وسوف يصل عدد الناخبين إلى أضعاف عدد السكان. وبالمناسبة عندما أفلتت الدولة الزمام قليلا في التسجيل عام 1997 لمواجهة دعوات المقاطعة كان يمكن إحصاء التكرار لما يصل إلى ثلاثين مرّة في بعض المواقع وقد أثبتت المتابعة الصحافية ذلك
.
النزاهة والاستقامة ليست قضية حكومية فحسب، وهي ليست مسألة انتخابات فقط. لاحظوا ما تحتاجه أي معاملة من أوراق وإثباتات حتّى لإثبات التصديقات التي يجب أن تعلو كل شهادة. كل هذا ينتمي إلى ثقافة تعتبر الأصل هو التحايل والتجاوز وليس الإقرار بالحقيقة، والإقرار الذاتي بالمعلومات هو الجانب الرئيس في أي معاملة في دولة متقدمة، وهو آخر ما يمكن التفكير فيه عندنا. ولا أدري إذا كانت مشاريع التطوير الإداري قد تقدمت في هذا المجال، فمنذ بعض الوقت لم أحتج إلى معاملات من ذلك النوع الذي لا يكتفي بأن تبرز له شهادة إثبات شخصية أو ملكية، بل يجب تصويرها على عدّة نسخ وتصديقها وإرفاقها بكل معاملة
.
تنبري أقلامنا وتبح أصواتنا في الحديث عن التنمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وما يتوجب القيام به من تغييرات في القوانين، لكن الثقافة والسلوك من يغيرهما وكيف؟! هي قضية تطور مديد لكن يبدو أنه مديد أكثر مما يجب في عالم يتسارع إيقاعه بصورة لا تحتمل حكاية التطور الطبيعي وإيقاعه البطيء، وهذا بافتراض أننا نتطور، إذا كان لنا أن نستشهد بما يحدث مؤخرا في جامعاتنا ومجتمعنا
ربما علينا أن نستحدث فرعا خاصا للبحث في آليات تسريع التحول الثقافي- الاجتماعي، لأخذ توصياته بكلّ جدّية والتزام، ولا تسألوني كيف، فكل شيء يجب أن يخضع للتأمّل والتفكير ابتداء بأن نتعرف بصورة أكثر صراحة ودقّة على أنفسنا.