من قاعة الانتظار...
رغم كل التنظير العسكري عن محدودية جدوى الضربات الجوية بدون قوة برية على الأرض، فقد أثبتت الضربات الجوية الأميركية في كل مرة فعاليتها.في حرب الخليج الثانية (اجتياح الكويت)، لم يحتج التحالف إلى زج جندي واحد من الستمائة ألف المتواجدين في حفر الباطن، قبل أن تنكفئ القوات العراقية مثخنة بالخسائر والجراح بفعل الضربات الجوية.
وفي العام 2003، دخلت القوات الأميركية بغداد بدون قتال، بعد حملة جوية كاسحة على مدار شهر.
وأمكن للضربات الجوية الأميركية تركيع النظام في صربيا، وإجباره على ترك كوسوفو والتسليم باستقلالها.
وفي ليبيا، كانت قوات القذافي قد وصلت مشارف بنغازي لإخماد الثورة، لكن الضربات الجوية ردّتها، وقلبت الموازين حتى سقوط القذافي.
وفي كل تلك الأوقات، لم تكن الضربات مفاجئة؛ بل معلنة ومقررة منذ وقت، تماما كما يجري الآن في سورية، ويجري معنا نحن الذين ننتظر في قاعة خلفية، بلا حول ولا قوة، المشهد أو القدر المحتوم. فيما يمكن، رفعا للعتب، تنظيم بعض التظاهرات والاعتصامات الاحتجاجية.
الضربات هذه المرة ستكون بالفعل محدودة؛ ليس بسبب مخاوف من ردود الفعل، بل لأن الولايات المتحده لا تريد تماما إسقاط النظام، فتسقط السلطة بيد المتطرفين من جماعة "النصرة" و"القاعدة" وشقيقاتهما.
وهكذا، فإن وظيفة الضربة، نظريا، هي تأديب النظام. وعمليا، ستؤدي إلى تعديل ميزان القوى قليلا بما يكفي لإدامة الحرب وجعلها أكثر شراسة.
هذه بالتأكيد مصلحة إسرائيل التي ستستمتع برؤية ثاني أكبر دولة عربية من دول الطوق تغوص حتى الجبين في الخراب والدمار الداخلي، كما لم يحصل في أي وقت آخر من التاريخ.
والولايات المتحدة لن تشق الثياب حسرة على سورية، ولن تتدخل ميدانا لوقف المجزرة وفرض الحل السياسي، ولن تضحي بعسكري واحد.
فالخطر عليها يكون بانتصار أحد الطرفين؛ القاعدة وأخواتها، أو النظام وحزب الله وإيران، والأرجح أن لا نصر لأحد، وسوف يستمر الاقتتال إلى ما شاء الله.فأي مصيبة هذه لشعب سورية والمعادلة طرفاها النظام القاتل، والتنظيمات الإجرامية؟!
ولعل النظام أراد هذه النتيجة؛ بأن يصبح الطرف المقابل هو جماعات الجهاد وأجنداتها الطائفية والإرهابية، وعنوانها جز الرؤوس وبقر البطون وأكل الأكباد، فتصبح القوى السلمية الديمقراطية والوطنية النزيهة مطحونة بين حجري الرحى، ويكون المجتمع الدولي أمام بديلين: إما السلطة القائمة، أو الإرهاب الأصولي.
وبالمناسبة، فإن هذه كانت حرفيا استراتيجية كل الأنظمة التي قامت ضدها ثورات "الربيع العربي".يدمي القلب أن نتفرج على الضربة الجوية المتوقعة تدمر مقدرات سورية العسكرية المدفوع ثمنها من عرق ودم الشعب السوري.
وقد كان الحل منذ البداية بيد النظام؛ بأن يتنازل ويتفاهم على سلطة انتقالية بمشاركة القوى الديمقراطية. ونقول حتى الآن، وقبل الضربة، إن الفرصة متاحة لمثل هذا الحل، لأن القوى الديمقراطية والمدنية، وعموم الشعب السوري متضرران من سطوة الجماعات الإرهابية الأصولية، والغرب في موقف محير لأنه ضد النظام ولا يريد سقوطه في آن، ما دامت السلطة ستقع بيد التطرف الأصولي.
وعليه، هناك مصلحة مشتركة للتفاهم بين السلطة والمعارضة، بغطاء دولي، على سلطة انتقالية تعزل الإرهاب، وتنقذ الجميع من سنوات مرعبة، وبحر دم أكثر فظاعة.
الدستور