مقاطعة الانتخابات ومشروع التحرر
إقترب موعد الإنتخابات النيابية في الأردن، وبدأ المرشحون بإعداد العدة لخوض "المنافسة" و "المعركة الإنتخابية"!! وأكثر ما يميز هذه الإنتخابات هو الاندفاع المهوول للدعوة للمشاركة فيها ترشيحاً وإنتخاباً، دعوة تنم عن تخوف غير عادي من المقاطعة وعدم المشاركة على حد سواء، وبالتأكيد فإن اللاعب الأساسي لدور تحفيز المشاركة هو ذاك الطرف الحريص على شرعنة هذه الإنتخابات ، والحفاظ على شكلها الديكوري ، والإبقاء على الهوامش بديلاً للنص كأن تحل نتائج الإنتخابات بدلاً عن البحث في دور السلطات الثلاث!!
قررت بعض أحزاب المعارضة المشاركة في الإنتخابات، وكذلك الحال فعلت الأحزاب المحسوبة علناً على السلطة. إمتنعت جبهة العمل الإسلامي و "حلفائها" عن المشاركة لأسباب ليست ذات صلة مع المشهد "المعارض" نفسه.
كل تلك المشاهد تدفع للبحث في مسألة المشاركة في الإنتخابات أو مقاطعتها في سياق مشروع التحرر وليس في أي مكان آخر!! فالجدار السميك الذي ما زالت الحركة السياسية الأردنية تصطدم به هو دخول دوامة اللعب على التفاصيل ناسين أو متناسين الجذر والمرد الأساسي للأزمات. دعونا نتناول المبررات "الطبيعية" للمشاركة في أية إنتخابات " المبررات المقبولة وغير المقبولة من وجهة نظر الكاتب" وفي الزاوية الأخرى تناول مبررات المقاطعة والتنبيش في جدواها وموقعها في التأسيس لمشروع تحرر حقيقي.
لماذا المشاركة؟ لماذا المقاطعة؟
تأتي المشاركة في الإنتخابات النيابية – بعيدا عن التقيد بشروط الحالة الأردنية- في سياقات متعددة أدرج منها الآتي:
• خوض المعركة الإنتخابية في مجتمع تكرست فيه بنود دستورية باتت تشكل خطوط حمراء يصعب المساس فيها، وبذلك تتنافس التيارات السياسية في إطار التعديلات والتفاصيل القانونية الأضيق.
• المشاركة في العملية الإنتخابية في سبيل الوصول إلى أغلبية برلمانية تتشكل في إطار حكومات تتولى المهام التنفيذية وفقاً لبرامجها وأجنداتها الخاصة، وبذلك يكون التضاد والتناقض السياسي على أشده لأن النتائج تكون مرتبطة مباشرة بمشاريع تغيير إجتماعي إقتصادي للبلاد.
• التصديق بالخسارة سلفاً، والمشاركة في سياق المشروع الدعائي الذي يتبناه تيار سياسي ما، ويكون ذلك من خلال نشر البرامج السياسية المطلوبة في أجواء تكون فيها القيود الرقابية على العمل السياسي أقل من العادة.
• المساهمة في تثبيت الديكور الديمقراطي لسلطة سياسية ما، تحاول شرعنة إجراءاتها ونفي خصائص القمع عن نفسها، وتمارس في ذات الوقت آليات الدمج المزيف لليبرالة السياسية والليبرالة الإقتصادية.
بالتنقل ذهاباً وإياباً بين المبررات المطروحة أعلاه، أين يمكن أن تنطبق الحالة الأردنية؟؟ هل هناك تيارات سياسية تتنافس في فللك الأجواء الدستورية؟ أم أن التيارات السياسية قادرة بعد وصولها للبرلمان وتشكيلها لأغلبية نيابية أن تستلم زمام السلطة التنفيذية وتحدث إنحرافات هامة في مسار البلاد سياسياً وإجتماعياً وإقتصادياً.
يبدو جلياً أن الحالة لا مكان لها في سياق النقطتين الأولى والثانية، ويمكن الحديث عنها قي سياق الثالثة والرابعة: "إستثمار الأجواء الإنتخابية لدعم المشروع الدعائي، وسياق الديمقراطية الديكورية".
من الملاحظ أن إستثمار الأجواء الإنتخابية شكل مبرراً للعديد من القوى "المعارضة" لتفسير مشاركتها، السسؤال المطروح بإلحاح في هذه الحالة: هل رصدت الأحزاب المشاركة تأثير المال السياسي والتلاحم العصبوي (العشائري، الديني، الإقليمي،...) قبيل إتخاذ قرار المشاركة؟؟ إن اللجوء لظروف الإنتخابات لغايات "النشر الجماهيري" للبرامج السياسية هو محاولة طوباوية خالصة وإنهزامية في مكان آخر، هي إنهزامية لأنها تمثل حالة من الفرار من مواجهة المسألة الأساس : إيصال البرنامج السياسي المطلوب إلى الناس في الأجواء الإعتيادية وليس الإستثنائية، فالإعتيادي دائم والإستثنائي مؤقت، الخروج من رحم الإعتيادي والبحث في ممكنات تغييره هو الجوهري، وإلتزام الإستثنائي هو الصوري.
وهي طوباوية إذا ما نظرنا للوعي الجمعي المستقبل لهذه البرامج وإنقسامه بشكل واضح إلى عصبوي وغير مكترث، وبالتالي يجد المال السياسي والشحن الشوفيني فرصة أكبر في هذا السياق.
إذن هل يمكن لأجواء الإنتخابات ضمن المعطيات الموضوعية الحالية أن تشكل تربة خصبة للنشاط التغييري أو المشروع التحرري؟ كما أسلفنا سابقاً جمهور الناخبين منقسم إلى صنفين أساسيين: عصبوي وغير مكترث "لا مبالي"، وهنا بالتأكيد لن آتي على اللوم لهذه الجموع ، فالوعي هو نتاج نمط الإنتاج وعلاقاته وإفراز لنمط حياتي ترسمه السلطة السياسية بالدرجة الأولى، ما قصدته في المرور على مسألة الوعي الجمعي وموقعه في الإنتخابات هو أننا بحاجة قبل هذه الخطوة "المشاركة، مع عزل باقي العوامل" وبهكذا حال، بحاجة إلى فكرة ما، خطوة ما، آلية ما سابقة على أوهام التغيير من خلال الإنتخابات.
كثيراً ما إتهمت خيارات المقاطعة المركبة على أسس نظرية أنها متطرفة وبعيدة عن الواقع، ولكن الصيرورة التاريخية ما زالت تثبت اليوم بعد اليوم أن مدعي فن قراءة الواقع ما زالوا بعيدين جداً عنه، وما زالوا يتبنون الخيارت المتطرفة إلى اليمين، ومازالوا يقدمون الهدايا المجانية للسلطة الواحدة تلو الأخرى...
تحديد أولويات الصراع
نقطة البداية، نقطة الإنطلاق: تحديد أولويات الصراع، تحديد أولويات الخطوات، إن التعويل على تغيير قانون الإنتخاب كمدخل أساسي للتغيير المجتمعي هو وهم إضافي، وذلك لسببين أساسيين:
• عدم إقدام السلطة على هكذا خطوة "إن كانت تشكل خطراً على مصالحها وقدراتها في إدارة العملية السياسية دون قلق!!"
• لو تغير قانون الإنتخاب بإتجاه القائمة النسبية، أتوقع أن تصاب الأطراف المعولة على ذلك بصدمة "الثبات النسبي"، فالعشائرية والإقليمية ستستمر وسيستمر معها التصنيف الأصلي المكون من العصبويين وغير المكترثين، ويعود ذلك إلى عدم إرتباط هذه الظاهرة بالآلية الإنتخابية نفسها، فالعصبيوية واللامبالاة هي نتاج إجراءات أخرى أذكر منها:
1. غياب شكل الحماية الجماعية المتمثلة في الدولة- دولة القطاع العام ودولة الرعاية، وإستبدال هذه الحماية بأخرى أضيق وهي حماية العشيرة والعائلة.
2. أساليب التفتيت والتفريق والتي إستفادت منها بالدرجة الأولى السلطة السياسية.
3. التوسع الأفقي الكبير للقطاع الخاص، الأمر الذي عزز الأنانية والفردانية ما أفرز الصنف الثاني سابق الذكر "غير مكترث أو لا مبالي".
إذن المسألة ليست ذات علاقة بالآلية الإنتخابية، وهي على تماس مباشر مع الإجراءات الإقتصادية والسياسية، وللخروج من الأزمة لا بد بداية من الوقوف على الأسباب الحقيقية لها، الحل يكمن في تقديم معركة العدالة الإجتماعية على حساب تللك في سبيل الديمقراطية!! الحل يتطلب الوقوف على عناصر الطبقة العاملة وإستنتاج عوامل إستفزازها وصياغة البرامج المتناسقة مع هذه الإستنتاجات.
* عضو في الحزب الشيوعي الاردني