مفارقات مطالب الأغلبية الصامتة والنُخب السياسية

مفارقات مطالب الأغلبية الصامتة والنُخب السياسية
الرابط المختصر

التباين بين مطالب النُخب السياسية والأغلبية الصامتة سمة غالبة يلحظها كل متتبع لما يسمى بالحراك الشعبي والذي تُحرّكه غالبا النخب السياسية لاثبات وجودها في الشارع والذي لم يزد عددهم في كل المحافظات بالمجمل عن ثلاث الى أربع آلاف مواطن أي بنسبة واحد لحوالي كل ألفين مواطن، ومن جهة أخرى مطالب بعض الاعتصامات المطالبية أو الأحاديث الفردية أو الجماعية لمطالب الأغلبية الصامتة من موظفين أو عاملين أو مواطنين أنّى كانوا.

فمطالب النخب السياسية تتلخص دوماً في بلورة اصلاحات سياسية ومحاربة الفساد وتجذير الديمقراطية وايجاد هيئة مستقلة للإنتخابات كعناوين رئيسة ظاهرة، وهي في الباطن تعزف على وتر المطالب الشخصية والحزبية والتيّارية لغايات تحقيق مكاسب لهذه الفئات، ولهذا أصبحت مصدر قلق ممنهج لإثارة الشارع وأحياناً عبثاً أمنياً. وهذه المطالب وصلت رسالتها منذ زمن فأوعز جلالة الملك المعظّم باستباقيته لوضع خريطة الاصلاح السياسي والتي حققت الحكومات المتعاقبة الكثير منها ان لم يكن معظمها والمتلخصة بالتعديلات الدستورية والشروع بقوانين ناظمة للحياة السياسية كقوانين الأحزاب والانتخابات والبلديات والهيئة المستقلة للإنتخابات والتي كلها ستنتهي قبل الصيف القادم بحول الله تعالى.

وأمّا مطالب الأغلبية الصامتة فهي مختلفة البتّة عن مطالب النخب السياسية والتي تتلخص بالقضاء على الفقر والبطالة وايجاد فرص العمل وترخيص الأسعار وفواتير الطاقة والمياه والتعليم والتي أصبحت تشكّل العبء المالي الأكبر على الناس وتطالب أيضاً بتحسين الرواتب واعادة هيكلتها ومكافحة الفساد وغيرها، وهي في مجملها اقتصادية بحتة لا سياسية. وبالرغم أن كليهما لا يعنيه تدهور وضع النمو الاقتصادي أو الأزمة المالية ككل والتي تمر بها معظم دول العالم وكأن العجز الذي وصل الى أكثر من مليار ونصف دينار والمديونية التي وصلت الى أكثر من 70% من الناتج المحلي الاجمالي لا يعني أنها ديون متراكمة علينا وعلى أبناء المستقبل حتى قبل ولادتهم بواقع ثلاثة آلاف دينار على كل مواطن.

والمتفحّص لمطالب الفئتين يلاحظ الفرق الشاسع بينهما وكأن كل فئة في بلدٍ مختلف عن الآخر بالرغم من الإيمان باختلاف نمطيّة التفكير واهتمام كل فئة، لأن العامل المشترك الوحيد بين الفئتين هو مكافحة الفساد والقضاء عليه ووضع الفاسدين خلف القضبان، وربما جاء هذا العامل المشترك لتحقيق مآرب سياسية للنخبة وظنُّ الأغلبية الصامتة بأن الموارد المالية من مكافحة الفساد ستحسّن الوضع الاقتصادي للمواطنين بزيادة رواتبهم ومدخولاتهم.

أمام هذه المفارقات العجيبة والغريبة يقف الانسان حائراً لغايات النظرة الواقعية للمطالب وضرورة معرفة المطلوب للمرحلة القادمة بما يتوافق مع خارطة الطريق الذي وضعها جلالة الملك المعظّم صوب حكومات من رحم مجلس النواب الذي سيتم انتخابه قبل نهاية هذا العام، وبالطبع نحتاج لفترة زمنية ربما تطول عن عشرين عاماً أكثر للوصول لهذا الهدف –الحكومات المنتخبة والممثلة للأحزاب- وبواقع خمس دورات برلمانية على الأقل.

لكن الفيصل لتوحيد مطالب الشعب وتجسير الهوّة بين مطالب النخب والأغلبية الصامتة هو أن يكون مجلس النواب ممثلا حقيقيا للشعب من خلال انتخابات نزيهة وشفّافة وتمثّل ارادة الشعب وفئاته كافة لغايات استثمار الفرص المتاحة للربيع العربي وجعله صيفا أردنيا بامتياز.

*وزير الأشغال العامة والاسكان السابق

الدستور

أضف تعليقك