مشاركة المرأة وقضاياها.. إلى أين؟

بعد عام من إطلاق تقرير اللجنة الملكية وخطتها العشرية للإصلاح السياسي
الرابط المختصر

 

على الرغم من ازدحام اللقاءات والاجتماعات بعد نشر مخرجات تقرير اللجنة الملكية والتي ضمت 92 عضوًا من مختلف الأطياف، والتي خرجت بجملة توصيات ترمي إلى الإسهام في تحفيز ديناميكية العمل العام، وخاصة فيما يتعلق بمشاركة المرأة والشباب، وقد تطلبت هذه التوصيات تعديلاً دُسْتُورِيًّا على المادة 6 من الدستور تضمن أن ترد كلمة الأردنيات إلى جانب الأردنيين، ليكون ذلك بمثابة إعلان عن تغيير في الحقوق المدنية والسياسية الممنوحة للمرأة وضمان المساواة مع الرجل. ومن التعديلات أيضًا تخفيض سن الترشح للانتخابات النيابية إلى 25 عامًا، وإلى 22 عامًا في انتخابات مؤسسات الإدارة المحلية، وإجراءات ضمنت الزيادة النسبية لمساهمة ومشاركة المرأة الأردنية في الفضاء العام والخاص خِلال العام الماضي، إلا أن نسبة ضئيلة من النساء قد تمكنت من الوصول إلى مواقع صنع القرار والمناصب القيادية في القطاعين العام والخاص، وهي نسبة تعتبر أقل بكثير من المأمول استنادًا إلى الاستراتيجية الوطنية للمرأة، والدراسات، والمطالبات الدولية برفع مساهمة المرأة في صناعة القرار الاستراتيجي لتصبح النسبة 30% في كل من المجالس المنتخبة والمعينة، والمواقع الإدارية العليا. وتأتي هذه المطالبات نتيجة لارتفاع نسب تعليم وتفوق الإناث في المراحل التعليمية المدرسية والجامعية الأولى والعليا، وتزايد نسبة مشاركتهن ومساهماتهن الفعلية في سوق العمل منذ عقود، الأمر الذي يدعو للتساؤل والبحث عن أسباب عدم حصول المرأة الأردنية على نفس فرص الرجال في الوصول للمناصب السياسية القيادية وصنع القرار تحديدًا. 

وضمن منبر "نقش" التفاعلي عبر موقع التواصل الاجتماعي "الواتس آب"، قامت شبكة نساء النهضة وهي إحدى الشبكات التي أسستها وأطلقتها منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، بطرح الموضوع للنقاش على عضواتها ضمن محور المشاركة السياسية للمرأة، وذلك بعد عام على إطلاق هذه الرؤية وبعد دلالات تعيين عدد أكبر من السيدات في مناصب سياسية قيادية في الحكومة -خاصة بعد تعديلها الأخير- كوزيرات، بالإضافة إلى تعيين سيدات من خلال الكوتا في مجلس النواب والتعيين في مجلس الأعيان، وهل جاءت هذه التعيينات لتعكس تغييرًا حَقِيقِيًّا في وجهة النظر تجاه قدرات النساء، أم هي لإرضاء توجه لتطبيق توصيات اللجنة دون اقتناع فعلي من أصحاب القرار؟

 وهنا تباينت وتنوعت إجابات عضوات شبكة نساء النهضة، لكنهن اتفقن على أنه وعلى الرغم من عقد عشرات الجلسات التي تمحورت حول وثيقة الإصلاح السياسي والإجراءات التي تمت بموجبها، فما يزال الوضع محبطًا جِدًّا بالنسبة لمشاركة المرأة السياسية، إذ اقتصر على زيادة بسيطة في أعداد السيدات في آخر تعديل حكومي، لكن على أرض الواقع، لم يكن هناك إدماج حقيقي للمرأة في صناعة القرار أو مشاركتها الفعلية في إدارة الملفات الحساسة، فحتى المواقع التي شغرت خلال الفترة الماضية لم تشهد تفكيرًا بالمرأة لتوليها. أما مجتمعيًّا، فكان من الجلي من قيادات الأحزاب المنوي تشكيلها عدم تواجد النساء في المواقع المتقدمة في أي حزب منها، كما عكست نتائج انتخابات الغرف التجارية والصناعية توجهات الشارع مع لجوئه إلى القيادات والأسماء التقليدية. من ناحية أخرى، ما تزال معدلات الجريمة والعنف ضد المرأة في ازدياد والتي تعكس أوضاعًا هشة للنساء بشكل عام. وخلصت عضوات الشبكة إلى أن هذا الوضع لا يعكس الواقع، إذ أثبتت المرأة الأردنية على مدى عقود كفاءتها من خلال مساهماتها القيمة والمهمة في جميع المجالات مستندة إلى مؤهلاتها العلمية والخبرات المتراكمة لديها، على الرغم من التحديات المختلفة التي واجهتها. وهو الأمر الذي يستوجب مَنْطِقِيًّا من صانع القرار أخذه بالاعتبار عبر تقديم دعم أكبر لها، وتوسيع فرص مشاركة المرأة السياسية، ووصولها إلى المواقع السياسية القيادية وصنع القرار. 

وبرأي مجموعة من عضوات شبكة نساء النهضة من الإعلاميات، رأت إحداهن أن المرأة ما تزال تعاني من استثنائها من الترقية الإدارية في بعض المؤسسات من المناصب القيادية على عكس الرجل، إذ لم تتول إدارة الإذاعة الأردنية على مدى 74 عامًا سوى سيدة واحدة، على الرغم من التعيين الأخير لسيدة إعلامية لترأس وكالة الأنباء الأردنية. كما اعتبرت عضوة إعلامية أخرى في الشبكة أن مشاركة المرأة السياسية هي دون الطموح المنشود لاعتمادها على أمزجة وتوجهات رؤساء الوزارات، موضحة أن بعض الحكومات كانت تخلو من التمثيل النسائي فيها، كما أن تمثيل المرأة دائمًا يستثني توليها وزارات سيادية كالخارجية والداخلية على سبيل المثال. وختمت إعلامية ثالثة بأن اليوم الذي لا نعود نطالب فيه بالمساواة هو ذلك الذي نكون قد نجحنا فيه في تحقيقها. فوصول امرأة إلى مواقع صنع القرار مسؤولية كبيرة تضعها تحت المجهر، واختتمت بأن كل منصب تتقلده المرأة بكفاءتها هو فخر لجميع النساء. 

من جهة أخرى، اعتبرت برلمانية سابقة وعضوة في الشبكة أن المطالبة بالمناصفة "بين الرجل والمرأة" في المواقع السياسية القيادية هو مطلب "نخبوي" تطالب به فئة محددة من النساء لا تدعم في الأصل قضايا المرأة الحقيقية، فبعض الناشطات في قضايا المرأة يتوقفن عن الحديث عنها بعد وصولهن إلى المواقع القيادية، إضافة إلى تراجع الثقة بالإدارة العامة بشكل عام، لذا فالمطلوب هو دعم المرأة في كافة المجالات وأن تكون موجودة بشكل تلقائي دون مناكفة أو مقاومة. 

أما عضوات الشبكة من السيدات اللواتي يترأسن جمعيات ومنظمات مجتمع مدني، فرأت إحداهن أن التعيينات قد أعطت صورة إيجابية عن الإرادة السياسية في دعم وصول المرأة للمناصب القيادية وهذا يدعو إلى التفاؤل بأن يكون لهن بصمة في دعم القضايا العالقة التي تنتهك حقوق النساء. في حين رأت عضوة أخرى أن الإرادة السياسية متوفرة بشكل حقيقي وترجمت في هذه الوثيقة، لتمكن النساء من الوصول إلى المواقع السياسية القيادية، وأكدت على أهمية المكتسبات التي تحققت غير أن الطريق ما يزال طويلًا. 

وتتفق إحدى العضوات وهي ناشطة في أكثر من مجال مع فكرة المزاجية في اختيار سيدات لمواقع قيادية سواء في المنصب الرسمي أو حتى عبر إدماجها بالانتخابات والعمل الحزبي. مشيرة إلى أن وصول المرأة إلى المناصب القيادية هو استثناء. كما لا يسمح التسلسل الوظيفي للدولة بوصول النساء الكفؤات لمواقع صنع القرار حتى من وجهة نظر مجتمعية، إذ عادة ما يعتمد الترقي في هذا المجال إلى حد كبير على العلاقات الشخصية ذات الارتباط بالنظام الأسري والدعم العائلي. فيما أشارت عضوة أخرى ومديرة سابقة في قطاع البنوك إلى أن المشاركة السياسية للمرأة وتعيينها في مناصب قيادية هو موضوع دائم الحضور للنقاش على طاولات منظمات المجتمع المدني النسائية، وبرأيها أن القطاع النسائي هو المسؤول بشكل أساسي عن الفجوة في قنوات الاتصال والتواصل مع الحكومة. وأخيرًا، أرجعت إحدى عضوات الشبكة التي تتولى مركزًا قِيَادِيًّا في مؤسسة طبية سبب تعيينات النساء في مناصب قيادية إلى أنهن قد أثبتن كفاءتهن لا بسبب توجه عام، وشددت على ضرورة أن تثق النساء أكثر بقدراتهن، وعلى أهمية دعم النساء للنساء. 

وفي العودة إلى صلب التساؤل حول دلالات مشاركة المرأة السياسية بالنسبة لصانع القرار ضمن خطة اللجنة الملكية للإصلاح السياسي، فهناك احتمالان، الاحتمال الأول يتمحور حول ما إذا كان هذا يعكس تغيرًا حَقِيقِيًّا في تفكير صانع القرار بالاعتراف بقدرات النساء ومساهماتهن المختلفة، والتزامًا بتطبيق مخرجات اللجنة. أما الاحتمال الثاني، فهو تحقيق قبول مصلحي لغاية ما أو كونه مفروضًا دون اقتناع حقيقي من أصحاب القرار، كما يأتي استجابة لمتطلبات خارجية من الممولين في الغالب، أو تنفيذًا لالتزامات وطنية باتفاقيات دولية وقع عليها الأردن وتقضي بأن يعمل صانع القرار الأردني على تعيين نساء في مواقع سياسية قيادية، والدفع نحو وصول نسبة النساء في هذا المجال إلى 30% تَدْرِيجِيًّا.

وعبر نظرة استقرائية للمشهد العام اِجْتِمَاعِيًّا وَثَقَافِيًّا وخلال فترة زمنية مناسبة، فإنني أميل شَخْصِيًّا إلى الاحتمال الثاني، والذي يقضي بأن السماح والقبول بمشاركة فاعلة ونوعية للنساء في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وفي الفضاء العام، ما هو إلا نتيجة مجموعة من الحقائق التي تلزم بل تفرض نفسها بقوة لا يمكن تجاهلها، وهي أولًا البيانات المصنفة حسب الجنس (ذكر وأنثى) والمتوفرة عن: مخرجات التعليم المدرسي والجامعي، ونوعية الاختصاصات العلمية والتفوق الدراسي، والانخراط في دورات تأهيلية وتدريبية تعليمية، والتي تجعل الكفة ترجح لصالح الإناث على الذكور. وفي المقابل، تشير البيانات المصنفة حسب الجنس المتوفرة عن المشاركة الاقتصادية إلى تدني نسب الإناث في سوق العمل النظامي إلى حد كبير وذلك لأسباب وتحديات متعددة فشلت كل الجهود على مدى العقدين الماضيين في إيجاد حلول لها، وأن نسبة مرتفعة من الإناث تعمل تحت مقصلة العمل غير النظامي ومخاطره المختلفة. أما الحديث عن وصول المرأة إلى مواقع قيادية، فالأرقام والتقارير تشير إلى تركز النسبة الأكبر من النساء العاملات في وظائف تقع في أدنى السلم الإداري أو الإدارة المتوسطة، بينما استطاعت قلة قليلة منهن الوصول إلى مواقع قيادية. أما بالنسبة للمشاركة السياسية والوصول للمواقع السياسية العليا فهو أصعب، ومن التحديات الأكثر تعقيدًا. 

وتكمن المفارقة في ارتباط الحديث بأن الخطة ستعمل على تعزيز ودعم المشاركة السياسية للنساء وتوليهن مناصب سياسية قيادية دائمًا بآمال النساء أنفسهن وتطلعاتهن، وبأن هذه فرصة مهمة لا بد من الاستثمار فيها ومؤازرتها اعتقادًا منهن بانعكاس هذا الوصول إيجابًا على تحسين أوضاعهن في الوصول إلى عدالة الفرص، وتحسين الخدمات الأساسية المقدمة للنساء ككل على أسس تتمتع بالمزيد من العدالة والإنصاف، وأنه سيفتح الباب أمام النساء ككل لتحقيق مشاركة اقتصادية واجتماعية وسياسية أوسع. 

لكن وعلى أرض الواقع، ثمة إشكالية ذات وجهين في وصول المرأة إلى مركز سياسي قيادي أو صنع القرار وأن تتبوأ منصبًا في أي منهما، فالوجه الأول للإشكالية هو شروط الوصول المرتبطة بضرورة أن تكون هذه السيدة مدعومة نَخْبَوِيًّا أو كونها تنتمي إلى طبقة اجتماعية- نخبوية مغلقة، وهذا أمر لن تحله خطة أو استراتيجية بعينها دون وجود إرادة حقيقية لتغيير توازنات القوى والتمثيل لكافة الشرائح، والوجه الثاني للإشكالية يتمثل في أن غالبية نساء هذه الطبقة المغلقة لا تمتلك فِعْلِيًّا تاريخًا حَقِيقِيًّا وطويلًا نِسْبِيًّا في دعم قضايا النساء وتبنيها في جميع المجالات والمستويات، أو حتى في تقديم دعم ومناصرة حقيقيين لقضايا تمس فئات اجتماعية محددة وتؤثر على تحسين نوعية حياتها، وفرصها في الوصول إلى العدالة والإنصاف في الموارد والمشاركة الفاعلة. وعليه، فإنه واستنادًا إلى تجارب سابقة، فلا تتوقع مجموعة من عضوات الشبكة أن الخطة حتى الآن قد نجحت في تقديم العون والمناصرة الحقيقية الكافية التي من شأنها أن تدفع إلى تحسين أوضاع المرأة ككل في المجتمع. وبالتالي، تنتفي هنا المقولة الإنشائية بأن وجود النوايا وحده يكفي لضمان وصول المرأة إلى مواقع صنع القرار وهو الكفيل بتغيير أوضاع النساء في المجتمع أو تحسينها إلى الأفضل، والدفع بقضاياهن ومطالبهن إلى سلم أولويات التنمية الوطنية الشاملة انطلاقًا من مبدأ أن النساء يشكلن نصف المجتمع ولهن- نَظَرِيًّا وقانونيًّا- نفس الحقوق التي ينالها الرجل. وحتى نكون أكثر إنصافًا ورأفة بهذه الفئة من النساء، لا بد من أن نذكر أن غالبية الرجال الذين تولوا مواقع سياسية ومراكز رفيعة في صنع القرار لم يقدموا كذلك أي مساهمات فعلية وحقيقية لتحسين أوضاع المواطنين من خلال المناصب التي حصلوا عليها، وانتشالهم من أنياب مشاكل وأزمات متفاقمة في كل القطاعات، إذ يكفينا استعراض سريع لما قدمته الوثيقة بمحاورها الثلاثة- فِعْلِيًّا- من أدوات سواء من قوانين أو مساحة للعمل الحزبي، لنتأكد من أن الإنجازات المتحققة بعد عام ليست بالشيء الذي يُذكر.