متى سيعدَّل قانون المالكين والمستأجرين؟
إذا ما ثبتت صحة التسريبات الصحافية بأن مجلس الأعيان بصدد رد مشروع قانون المالكين والمستأجرين المعدل إلى مجلس النواب بسبب المعارضة الشرسة التي يلقاها من قبل أعضاء لجنته القانونية، فإن التساؤل الأبرز الذي يثور يتمثل في مدى جدية المشرع الأردني في تعديل ذلك القانون على هدي ما جاء في قرار المحكمة الدستورية الذي قضى بعدم دستورية قطعية أجر المثل، وأوصى بإعادة النظر في آلية أجر المثل كونها ليست هي الطريقة المثلى في ظل وجود وسائل أخرى لتقدير بدل الإيجار، التي يمكن للمشرع الأردني أن يعتمدها لتقدير الأجر العادل حسب ما يراه متلائما مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية السائدة.
وعلى ضوء قرار المحكمة الدستورية فقد أقر مجلس النواب تعديلا على قانون المالكين والمستأجرين ألغى بموجبه أجر المثل واستبدل به زيادة ثابتة على الأجرة السنوية بموجب نظام خاص يصدر لتلك الغاية عن مجلس الوزراء. إلا أن عدم إقرار مجلس الأعيان لذلك التعديل حتى الآن والتوجه لدى بعضهم بالإبقاء على آلية أجر المثل يثير تكهنات حول عدم جدية المشرع الأردني في احترام قرارات المحكمة الدستورية وتنفيذها والتي أضفى عليها الدستور صفة النهائية، واعتبرها ملزمة لكافة السلطات في الدولة.
وفي قرارها القاضي بعدم الدستورية، فقد رسمت المحكمة الدستورية ملامح التعديل الأكثر شرعية وتوافقية للعلاقة التعاقدية بين المالك والمستأجر بأن لا يكتفى بإلغاء قطعية الحكم الصادر ببدل أجر المثل، وإنما أن يتم استبدال تلك الآلية بأخرى أكثر تحقيقا للعدالة والسلم الاجتماعي وذلك من خلال إقرار زيادة ثابتة على بدل الإيجار تنسجم مع نسب التضخم في الدولة. وقد كان القضاة الدستوريون موفقين في توجههم هذا وذلك بسبب الضرر الجسيم الذي لحق بالمستأجرين من جراء اعتماد أجر المثل كآلية غير عادلة للتوافق على بدل الإيجار، حيث لم يتضمن القانون أي أسس أو معايير واضحة يمكن أن يعتمد عليها الخبير في تقدير أجر المثل، فكانت النتيجة أن حصلت هناك مغالاة في تقدير الزيادات على بدلات الإيجار وفقا لأجر المثل.
ولا يقتصر الضرر الناشئ عن العشوائية والجزافية في تقدير أجر المثل على الأفراد فحسب، بل امتد أثره ليشمل المؤسسات والهيئات الرسمية والحكومية التي تستأجر أبنية وعقارات من أشخاص طبيعيين لاستخدامها في ممارسة نشاطها الإداري وتقديم خدماتها العامة. فهناك العديد من قضايا أجر المثل التي أقامها مالكو العقارات على الدولة ومؤسساتها المختلفة باعتبارهم مستأجرين لديهم، وكانت النتيجة زيادة ضخمة في الأجور السنوية التي تدفعها تلك الهيئات من خزينة الدولة بسبب الظلم المجحف الذي رافق اعتماد أسلوب أجر المثل الذي يعتمد تقديره بشكل أساسي على اجتهادات وآراء فردية للخبراء تختلف من شخص لآخر.
وبغض النظر عن موقف المشرع الأردني من الإبقاء على أجر المثل أو الاستبدال به زيادة مقررة في نظام خاص يصدر عن مجلس الوزراء، فإن ما يهم في الأمر أن يتم تكريس قرار المحكمة الدستورية حول عدم دستورية قطعية أجر المثل تشريعيا وذلك من خلال تعديل المادة (5) من قانون المالكين والمستأجرين والنص صراحة على حق المحكوم عليه بأجر المثل أن يطعن بذلك الحكم الصادر بحقه إلى محكمة الاستئناف خلال فترة زمنية محددة. فالتساؤل الذي يتنازع حوله المحكوم عليهم بأجر المثل يدور حول المدة القانونية التي يحق لهم خلالها الطعن بذلك القرار الصادر بحقهم إلى محكمة الاستئناف.
لقد ذهبت بعض الآراء القانونية إلى القول أن مدة الطعن بالحكم الصادر بأجر المثل يخضع للقواعد العامة التي تطبق على الطعن بالأحكام الصادرة عن المحاكم النظامية على اختلاف درجاتها. إلا أن هذا القول يعوزه الدقة القانونية ذلك أن قانون المالكين والمستأجرين لم يعتبر أجر المثل دعوى قضائية بالمعنى الكامل، بل طلبا يقدم من صاحب الشأن بموجب أحكام المادة (5) من قانون المالكين والمستأجرين التي تنص على أنه إذا لم يتفق المالك والمستأجر على تقدير بدل الإيجار فإنه يحق لأي منهما التقدم بطلب للمحكمة المختصة التي يقع العقار في دائرتها لإعادة تقدير بدل الإجارة بما يتناسب وأجر المثل في موقع العقار. إلا أن الممارسة القانونية قد أخذت منحنى مغايرا بأن قامت المحاكم بتسجيل دعاوى قضائية بالمعنى الكامل موضوعها تقدير أجر المثل يتوكل فيها محامون وتخصع لتبادل اللوائح. بالتالي فما دام أن الأصل بأجر المثل أن يقدم طلبا قضائيا بخصوصه وليس دعوى بالمعنى القانوني الكامل، فإن الأحكام العامة حول الطعن بالأحكام القضائية يجب أن لا تطبق على الحكم الصادر في طلب أجر المثل، وهذا ما يفرض على المشرع الأردني الإسراع في تعديل قانون المالكين والمستأجرين لتحديد فترة زمنية لتقديم الطعن بالأحكام الصادرة في طلبات أجر المثل.
وبالعودة إلى التناقض الواضح في موقف المشرع الأردني من الإبقاء على أجر المثل أو الاستبدال به زيادة ثابتة على بدل الإيجار فإنه يثير أزمة حقيقية تتعلق بالمراكز القانونية لطرفي عقد الإيجار اللذين هما في حيرة من أمرهما حول الآلية التي ستحسب من خلالها الزيادة على الأجرة السنوية للعقارات السكنية والتجارية. فهناك أهمية قصوى لاستقرار المراكز القانونية لكل من المالك والمستأجر في أقرب وقت ممكن وذلك بسبب الإرتباط الذي ينوي المشرع الأردني تكوينه بين أولئك المستأجرين الذي صدر بحقهم حكم قضائي قطعي بأجر المثل قبل قرار المحكمة الدستورية ولم يتمكنوا من استئنافه، وأولئك الذين تم الفصل وبحكم قطعي في الطلبات المتعلقة ببدل أجر المثل المقامة ضدهم قبل بدء نفاذ التعديلات الجديدة على القانون وبين الزيادات المقررة على الأجور السنوية بموجب النظام الخاص الذي سيصدر عن مجلس الوزراء، حيث تتجه نية المشرع إلى استثناء تلك الفئتين من المستأجرين من الزيادات المنصوص عليها في التعديل الجديد وذلك لمدة عشر سنوات من تاريخ نفاذ أحكام القانون الجديد.
وحيث أن المشرع الأردني قد كشف عن نواياه التشريعية فيما يتعلق باستثناء أولئك المستأجرين من الزيادة المقررة بموجب النظام، فإن هناك حاجة ماسة لترجمة تلك الأفكار التشريعية على أرض الواقع في أقرب وقت ممكن وذلك لكي لا تتم إساءة استعمالها من قبل طرفي عقد الإيجار. فقد يعمد المستأجر إلى المماطلة في طلب أجر المثل المقدم ضده إلى حين صدور القانون المعدل لقانون المالكين والمستأجرين وذلك لكي تطبق عليه الزيادة في الأجرة السنوية بموجب النظام الذي سيصدره مجلس الوزراء بدلا من أجر المثل. كما قد يعمد المؤجر إلى الإسراع في تقديم طلب تقدير أجر المثل والحصول على حكم قطعي بذلك قبل إقرار القانون وذلك لكي يحصل على زيادة أكبر على بدل الإيجار من تلك التي سيقررها النظام الذي سيصدره مجلس الوزراء.
خلاصة القول إن على المشرع الأردني أن يحسم أمره وأن يعقد العزم على تعديل قانون المالكين والمستأجرين بالصيغة التي أقرها مجلس النواب والتي جاءت متوافقة مع قرار المحكمة الدستورية وذلك تفاديا لأية محاولات استغلال لأحكام مشروع القانون ذات الصلة بإلغاء أجر المثل والاستثناءات بين صفوف المستأجرين من الزيادة الجديدة بشكل قد يؤدي إلى إفراغ التعديل المقترح من مضمونه القانوني والهدف الذي من أجله تم اقتراحه وتضمينه مشروع القانون.
العرب اليوم