متى تكون الانتخابات منطقية ومفيدة
الجدل بين الطبقات والفئات الاجتماعية والاقتصادية في الاختيار والتنافس بين البرامج العملية والآمال الكبرى يبدو من حقائق التاريخ والجغرافيا وأساسيات علم الاجتماع السياسي، ولكنها مقولة على بساطتها تبدو غائبة أو مغيبة في التحليل وتفسير ما يجري من أحداث وتفاعلات، وتلك معضلة كبرى في الفكر والفلسفة، فالقضايا الحاكمة في الحياة والفكر تبدو برغم بداهتها صعبة على الفهم وغير قابلة للاستيعاب، أليست قضايا مثل المكان والزمان والحياة والموت هي الأكثر صعوبة في الفهم على مدى التاريخ برغم حضورها الشامل في الحياة والسياسة والتاريخ والاحداث؟ وللسبب نفسه (ربما) نحتاج إلى رد الجدل السياسي الجاري اليوم في الأردن، وربما يجري في كل بلد تجرى فيه الانتخابات إلى المصالح والحقائق الأساسية المنظمة والمفسرة لسلوك الحكومات والجماهير والطبقات، وعلى المستوى الشخصي فإنني عندما نظرت إلى مجريات الانتخابات النيابية بردها إلى مصالح الطبقات وطبيعة سلوكها وجدت أني حصلت على فكرة جديدة تشجعني على دعوة القراء الكرام لمشاركتي في هذا (الاكتشاف العظيم)، ولن يخسروا شيئا على أية حال بعد قراءة المقال أيا كانت النتيجة التي حصلوا عليها.
الحزب ليس برنامجا عبقريا أو رؤية عظيمة، ولكنه تعبير عن مجموعة من المصالح والأفكار والطبقات، ويجب أن تعكس تركيبته الاجتماعية والتنظيمية هذه الأفكار والمصالح. وتتشكل الأحزاب عادة ضمن منظومتين، إحداهما تقوم على عضوية شبابية شبه مفتوحة للمؤمنين بفكرة معينة، ويجب أن يشكل هؤلاء الشباب (18 - 25 سنة) في مثل هذا النوع من الأحزاب ثلثي عدد الأعضاء على الأقل، ويكون ربع الأعضاء ممن تتراوح أعمارهم بين 25 - 40 سنة على أن يكونوا جميعا يشغلون مواقع قيادية تنظيمية أو عامة في المجتمع، ويكون 10 % من الأعضاء ممن تزيد أعمارهم على 40 عاما على أن يكونوا جميعا من القيادات التنظيمية العليا أو القيادات السياسية والنقابية والعامة في المجتمع، بمعنى أن الأعضاء الذين تزيد أعمارهم على 25 سنة في الأحزاب ممن لا يشغلون موقعا تنظيميا أو عاما نشطا لا يمثل وجودهم في الحزب قيمة إضافية أو أهمية للعمل السياسي والعام.
والتشكيلة الأخرى للأحزاب تقوم على مجموعة من النخب والقيادات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وتستمد أهميتها وتأثيرها من قدرتها على العمل والضغط والتغيير من خلال مواقعها وتجاربها وفرصها، ورغم أنه يغلب على مثل هذه المجموعات أن تكون جماعات مصالح وضغط أكثر مما هي أحزاب سياسية، فإنها قادرة على أن تكون حزبا سياسيا في حالة قدرتها على التواصل مع المجتمعات والناخبين والتأثير فيهم من غير عمل تنظيمي حزبي أو فكري، أو لتحويل تأثيرها العام إلى حزب سياسي.
وبغير هذه الأحزاب والجماعات لا يمكن الحديث عن تنافس حزبي وبرامج حزبية، حتى تلك الجماعات التي تمتلك تأثيرا كبيرا وعددا كبيرا من الأعضاء مثل الحركات الإسلامية فإنها في تركيبتها وسلوكها إنما هي حركة جماهيرية تراوح بين الدين والقومية، ولا تصلح أبدا مهما كان تأثيرها لتعبر عن برنامج سياسي اجتماعي اقتصادي، ولا تعبر أبدا عن حراك سياسي يجري بالفعل.
إذن ما هي المصالح والمحركات الفاعلة في الانتخابات الجارية اليوم؟
الغد