متى "تسقط أوسلو"..؟!

متى "تسقط أوسلو"..؟!
الرابط المختصر

عندما احتُلت فلسطين في العام 48، سمّوها "نكبة" وقبِل العالَم بالتسمية، على مضض. وعند احتلال ما تبقى في العام 67، سمّوها "نكسة"، ودرجت التسمية أيضاً.

ثم عند توقيع "أوسلو" قبل عشرين عاماً، اعتبرها العالَم نهاية أحزان الفلسطينيين: أخيراً، أخذ الفلسطينيون حقّهم، مبروك! والآن، بعد عشرين عاماً، يزعُم المتشائمون، من أمثالي، بأن العام 93 شكّل فصلاً يستحقّ عنواناً شبيهاً بسابقَيه –ربما "الخديعة؟" ويتساءل المرء: ماذا ينتظر الفلسطينيون ليعترفوا بأنّ هذا الفصل المريع طال وزاد عن حدّه، في وقت يجمع فيه كل عُقلاء العالم على أنّ "أوسلو" لم تجلب على الفلسطينيين سوى الخراب؟في كتاب يصدر قريباً، وتحت عنوان: "أوسلو بعد عشرين عاماً..

 منظور قانوني وتاريخي"، يتساءل مقرر حقوق الإنسان للأمم المتحدة في فلسطين، ريتشاد فولك: "كيف نستطيع تفسير أن اتفاقية أوسلو، التي احتفي بها على نطاق واسع في العام 1993 باعتبارها إنجازاً تاريخياً عظيماً، تبدو الآن مثل حاجز غادر، حرف النضال الفلسطيني من أجل تقرير المصير عن مساره، ومنح الوقت لإسرائيل لتحقيق أطماعها في الأراضي، وقوض عملياً أي احتمال واقعي لتحصيل الحقوق الفلسطينية في المستقبل القريب... ماذا يمكننا أن نتعلم من هذه التجربة؟".

الذي ينبغي أن يتعلّم من التجربة هم الذين يصرّون على قيادة الفلسطينيين بإصرار في المستنقع اللانهائي، وكذلك الفلسطينيون الذين لا يجدون وسيلة لحزم أغراض هؤلاء وإحالتهم على التقاعد. وقد لفتني ما لاحظه المفكر المتعاطف مع فلسطين أكثر من أهلها، نعوم تشومسكي، حين قال إن القيادة الفلسطينية تشارك في المفاوضات العبثية لأنه ليس لديها بديل، وبدافع اليأس. ثم فسر بأن الانسحاب من أوسلو وتبعاتها سيحرم النخبة الفلسطينية التي اعتادت الفخفخة من التبرعات الخارجية التي توفر لها حياة مترفة، بينما المجتمع الفلسطيني من حولها يتداعى.

يا سلام!الذي يرفع اليوم شعار "تسقط أوسلو" سيُنظر إليه على أنّه يدعو إلى حرمان الفلسطينيين من آخر الخيارات. وليجازي الله السبب في جعل كل خيارات الفلسطينيين محصورة في سلطة تعرض التجلي النمطي لأيّ نظام عربي استبدادي مغرم بنفسه، ومستعد لبيع سرواله الداخلي للعدو مقابل البقاء في السلطة.

بينما يبدو إسقاط أوسلو السبيل الوحيد الممكن الآن لوضع الكيان الصهيوني وراعيته الولايات المتحدة في ورطة، حين تنفتح خيارات الفلسطينيين الأخرى بعد ذهاب قيادة لا يسهل التنبؤ بسلوكها فحسب، وإنما يُملى عليها السلوك بالحرف، وليس لمصلحة فلسطين.عندما نكتب عما يحدث في فلسطين، يعاتبنا البعض على انتقادنا لأداء القيادة الفلسطينية، باعتبار أننا نعيش في أبراج عاجية ولا نعرف الحقيقة.

ولكن، ألا يحقّ للفلسطيني أكثر من غيره أن يسأل المتحدثين باسمه عمّا يفعلونه باسمه، لأنّ أخطاءهم تقتل آمال شعب كامل وتجرده من حقوقه؟ وألا يشكل شيء مثل أوسلو ونتاجاتها موضوعاً تاريخياً، بكل ما في الكلمة من معنى، من حيث إقامة أو تقويض سعي الفلسطينيين إلى التحرر واستعادة وطنهم؟كانت أول كارثة قاتلة صنعتها أوسلو هي اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بـ"دولة إسرائيل" على78 % من أراضي فلسطين التاريخية.

أي إعلان أن ما يحق للفلسطينيين هو22 % من وطنهم التاريخي. أيّ مجنون يقدم تنازلاً كهذا، ولأي غرض؟ ماذا يفعل أصحاب الـ78 % من أرض فلسطين؟ أينَ هو وطنهم إذن.

كانت آخر كلمات زعيم الهنود الحمر، سياتل، وهو يعلن الاستسلام النهائي للأميركيين، هي أن هذه الأرض جميعاً هي لشعبه وأجداده، وأن أرواح هؤلاء ستذكر المستعمرين دائماً بأنهم يدوسون على أرض ليست لهم. فبأي منطق يعترف أحد نيابة عنا بأن أرضنا وأرض أجدادنا التاريخية ليست لنا؟ وفي مقابل ماذا؟ والآن، يتفاوض القادة على  12 % فقط من فلسطين التاريخية، ولن ينالوها.

شيء حصيف فعلاً!كما هو معروف، أنشأت أوسلو قوات أمن فلسطينية مهمتها قطع أيّ يد تقاوم الاحتلال، ومنحت العدو فرصة لمزيد من الاحتلال، وأوحت للعالم أن الفلسطينيين استعادوا حقهم بشكل ما. ومبدئياً، ليس هناك ما هو أخلاقي ولا وطنيّ في اعتناق شيء يعني تخلّي الفلسطينيين عن وطنهم التاريخي. وتقتضي استعادة الشرف الوطني والحلم باستعادة الحق على الأقل، إسقاط خديعة أوسلو وعرابيها الآن، وفتح الخيارات الفلسطينية التي اعتقلتها أوسلو.

الغد

أضف تعليقك