ما دستورية إضراب المعلمين؟

تزايدت، أخيرا، وتيرة الخلاف بين نقابة المعلمين الأردنيين والحكومة بشأن مطالبة المعلمين بعلاوة سابقة، يدّعون أنه قد جرى الاتفاق عليها مع حكومة سابقة في عام 2014، وهو الأمر الذي ترفضه الحكومة رفضا مطلقا، ما دفع نقابة المعلمين إلى إعلان الإضراب عن العمل منذ مطلع الأسبوع الماضي، حيث امتنع المعلمون في المدارس الحكومية عن الدخول إلى الصفوف المدرسية، وعدم تدريس الطلبة من جميع الفئات والمراحل. وهنا يثور التساؤل الأبرز بشأن دستورية الإضراب في الأردن، ومدى تكريسه في التشريعات الوطنية.

الإضراب، كما يعرّفه القانون الإداري، هو توقف جماعي لموظفي أي مؤسسة عن العمل، وبصورة مؤقتة، بهدف الضغط على الإدارة لتحقيق مصالح خاصة بهم. وفي هذا الإطار، يعتبر الإضراب ركنا أساسيا من أركان الحق في الاجتماع العام الذي كرسته المادة 16 من الدستور الأردني، ومظهرا من مظاهر حرية الرأي والتعبير المنصوص عليها في المادة 15 من الدستور.

أما موقف المشرّع الأردني من تكريس الحق في الإضراب فهو قائمٌ على أساس التمييز بين فئات الموظفين في الأردن، فقانون العمل الأردني يعطي الحق لموظفي القطاع الخاص في الإضراب، وفقا لشروط محدّدة، منصوص عليها في المادة 135 من القانون، تتمثل بضرورة تقديم إشعار مسبق لصاحب العمل قبل أربعة عشر يوما من التاريخ المحدد للإضراب. أما نظام الخدمة المدنية الأردني، والذي يحكم عمل الموظفين العموميين، فينص صراحة على حرمان الموظف العام من الحق في الإضراب، فباستعراض المادة 68/ ج من نظام الخدمة المدنية الحالي رقم 82 لسنة 2013 وتعديلاته، نجد أنها تنص صراحةً على أنه يحظر على الموظف العام، وتحت طائلة المسؤولية التأديبية، الاشتراك في أي مظاهرة أو إضراب أو اعتصام. وفي هذا السياق، نجد أن نطاق التجريم في مجال الوظيفة العامة يتسع ليشمل ليس فقط قيام الموظف العام بالإضراب، وإنما يُعاقب الموظف العام في حال مشاركته في أي مظاهرة أو اعتصام بعقوبة تأديببة، قد تصل إلى الاستغناء عن خدماته، استنادا لأحكام المادة 141 من نظام الخدمة المدنية.

يثير هذا الاختلاف التشريعي غير المبرّر في القواعد القانونية التي تحكم عمل الموظف في  

"موقف المشرّع الأردني من تكريس الحق في الإضراب فهو قائمٌ على أساس التمييز بين فئات الموظفين في الأردن"القطاعين، العام والخاص، شكوكا حول مخالفته مبدأ المساواة بين الأردنيين أمام القانون المقرّر في المادة 6 من الدستور، فما قام به المشرع الأردني من إيجاد مراكز قانونية خاصة بموظف القطاع الخاص تسمح له بالإضراب، في حين أنه حظره على موظف القطاع العام، لا يقوم على أساس تنظيمي سليم، ويعد انتهاكا صريحا لأحكام المادة 128 من الدستور التي تشترط في القواعد القانونية التي تصدر لتنظيم الحقوق والحريات أن لا تؤثر على جوهر تلك الحقوق، أو تمس أساسياتها.

كما يشكل حرمان الموظف العام من الحق في الإضراب مخالفةً صريحة للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، كما وردت في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966، والذي ينص في المادة 8/ د منه على أن تتعهد الدول الأطراف بكفالة حق الإضراب، وفقا لقوانينها الوطنية.

السماح للدول بتنظيم ممارسة الإضراب يجب أن لا يُفسر على أساس الحرمان من ممارسة ذلك الحق، وهو ما قام به المشرّع الأردني في نظام الخدمة المدنية، حيث تثور الشبهات بأن النص القانوني الذي يحرم الموظف العام من حقه الدستوري في الإضراب يشكل مخالفة صريحة لكل من الدستور الأردني والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.

*العربي الجديد 

أضف تعليقك