ماذا يجري في الأردن؟!

ماذا يجري في الأردن؟!
الرابط المختصر

امام ما يجري من توترات وعنف اجتماعي يقف الكل منا مشدوها ومنزعجاً ويضع العديد من الأسئلة حول ما يجري, أسئلة مشروعة وكل شيء من الممكن تفسيره إذا ما اتفقنا ان هناك مشكلة! البعض يرى أنها احداث معزولة لا يمكن تعميمها على مكونات المجتمع, ولا تشكل الصورة العامة, شيء من هذا صحيح, ولكن كثرة تكرارها وانتقالها من منطقة الى أخرى مع اختلاف الأسباب وتطابق النتائج, يؤشر على وجود مشكلة, وقد أجريت نقاشاً موسعاً مع طلابي على مدار يومين لم نفارق الحديث في أسباب وآليات المعالجة وحوار فكري خرجت منه بعدة تصورات علمية وسياسية واقتصادية واجتماعية ونفسية وسلوكية وقيمية تعطي مدلولات ومؤشرات على الحالة العامة لمثل هذه التوترات, منها ان المجتمع الأردني يمر بحالة تحول جذرية من خلال حالة التفكك التي تسود البنى الاجتماعية التقليدية وغياب عوامل الضبط الاجتماعي القادرة على الاحتواءَ وخلق حالة الانسجام الاجتماعي اثنا الأزمات وحل المشكلات, فالتغيرات التي أصابت القيادات الاجتماعية السابقة لم تستطع معها القيادات الاجتماعية المحدثة لعب نفس الدور وبنجاعة, وبالتالي تهميش واقصاء للقيادات الاجتماعية القادرة على الضبط الاجتماعي وفشل وانهيار للقيادات الاجتماعية المحدثة, هذا جانب من المعادلة والجانب الآخر هو قيمي في تغيرات جذرية على منظومة القيم الاجتماعية والسياسية القائمة من خلال آثار منظومة العولمة الثقافية في كل تجلياتها, والدور الذي لعبته المؤسسات الدولية الهادفة لغرس قيم جديدة وأفكار لا ارتباط لها ببنية المجتمع الكلية إذ حظيت الأخيرة هذه بالقبول من نخب محددة ومستفيدة استطاعت فرضها لسبب وآخر.

ان غياب مؤسسات اجتماعية وسياسية محدثة تشكل البديل للبنى التقليدية القائمة يدفع بالاتجاه نحو تعميق حالة الانتماءات الضيقة والفرعية اياً كانت قبلية, او عشائرية, او طائفية, فحالة التحول هذه لم يصحبها وجود بنى اجتماعية وسياسية جديدة وحديثة, وبالتالي حالة الفراغ تدفع للاتجاهات المتعلقة بالانتماءات الفرعية.

ان من شروط بناء الدولة ضرورة توفر حالة التكامل الاجتماعي او الانسجام الاجتماعي المنخرط كليته في بنية الدولة فالانتماء الحقيقي هو للدولة من منظور مفهوم المواطنة القانوني الممثل بالحقوق والواجبات, حيث يرى ان الاختلال او النقص في هذه المعادلة يدفع بالعودة الى الوراء واعتماد الأنماط التقليدية, وكذلك من شروط بناءَ الدولة توفر حالتي العدالة والمساواة في إطاريهما القانوني والاجتماعي فمبدأ سيادة القانون هو المسيطر, فالظلم, وغياب العدل, وضعف المساواة تدفع أحيانا لما هو غير مرغوب او مطلوب بأن يطبق الافراد القانون بأنفسهم.

ان تعظيم مبدأ سيادة القانون ولا احد فوق القانون يقضي بضرورة تفعيل الأجهزة القضائية وسرعة المحاكمة وإبعاد الترهل الإداري, يضاف الى كل ذلك أهمية تفعيل مؤسسات الضبط الاجتماعي الرسمية ليكون لها حضورها وهيبتها.

ويلعب العامل الاقتصادي دوراً أساسيا في تفسير ظواهر العنف الاجتماعي, فالفقر, والبطالة, وتدني مستوى المعيشة يثقل كاهل الفرد ويزيد من درجة توتره واحباطه وبالتالي ينعكس على سلوكه تجاه الآخرين وفي هذه الحالة ربما يلجأ الافراد الى التدين والتعبد واعتبار ذلك أمورا قدرية تترك للخالق عزوجل, والبعض الآخر يلجأ الى الانحراف في مزالق السوء والخلق والعادات الضارة مما يقوده الى ارتكاب الجنح او الجرائم, وهنا لابد من ذكر أهمية الوازع الديني وأهميته في بناءّ الخلق الحسن الذي يستند الى قيم دينية راسخة تعطي صاحبها سلوكاً حميداً امام الآخرين مما ينعكس على المجتمع بالانسجام والمودة والصفاءَ وعلية فأهمية تفعيل وسائل التنشئة الاجتماعية في عملية التربية كبيرة فدور الأسرة مهم جداً والمدرسة, ووسائل الإعلام في تحصين النشء وتعزيز انتمائه وولائه للدولة والوطن.

إن ما يلاحظ من نزق وعصبية زائدة, وتوتر دائم, وعدم احترام النظام العام وعدم احترام او تقدير الغير, فالكل يرى في نفسه شيئاً ما بأنه اكبر من كل شيء, فّسمة التواضع وتقدير الآخرين ومعرفة الفرد لقدر ذاته رحم الله أمرء عرف قدر ذاته غير متوفرة عموماً في العلاقات العامة والاجتماعية, وبروز ظاهرة الاناء الذاتية الانفرادية وتقديم المصلحة الشخصية على العامة كلها مظاهر وسلوكيات لنمط عام جديد في مجتمعنا وكل هذا يقود لحالة غير طبيعية تفعل مفاعيل القوة والعنف دورها فيه.

بكل الأحوال الكل منا مسؤول عما يجري لأن هذا الوطن للجميع وصورته المشرقة التي عهدنا نريدها ان تبقى نقية صافية دائماً في عيوننا وعيون الآخرين.