مئة لغة للطفل

مئة لغة للطفل
الرابط المختصر

 

"الطفل يتكون من مئة، مئة لغة، مئة يد مئة فكرة، مئة طريقة للتفكير واللعب والتحدث.. مئة ودائماً مئة/ مئة طريقة للاستمتاع وللتعجب وللحب/ مئة فرحة ومئة عالم للاكتشاف ومئة للاختراع ومئة للحلم للطفل مئة لغة/ لكنهم يسرقون تسعة وتسعين/ المدرسة والثقافة يفصلون الرأس عن الجسم/ يطلبون من الطفل أن يفكر دون أن يستخدم يديه، أن يستمع ولا يتحدث، أن يفهم دون أن يستمتع".

 

ما تقدم جزء من قصيدة ملهمة للمربي الإيطالي لوريس مالاجوزي، خطرت ببالي لأن تكون عنوان لهذا العام الدراسي في ظل ما نعيشه من تناقضات عديدة في تربية الأطفال، فما بين ما نعرفه عنهم وما نقدم إليهم تناقض كبيرٌ، وبين ما يعرفونه وبين ما يتعملونه فجوة كبيرة. هذه الفجوات الكبيرة في نظامنا التربوي سببها محدودية الطرق التي يتعامل بها الأطفال وافتراض التشابه بينهم ورفض الاختلاف أو تجاهله وتقديم نوعية واحدة من التعليم تتكرر يومياً في إيقاع روتيني محدود الفرص، وهذا ما يمثل أسوأ بعدٍ في تعليم الأطفال.

 

وللتوضيح أكثر؛ يدرس في الصف العادي مجموعة من الطلبة المحتوى التعليمي نفسه، ويتعلمون جميعاً بالطريقة نفسها، ويقيّمون باختبارت تعظم أخطائهم وعلامات تشير إلى عجزهم، فلا اختلاف مقبول، إذ هناك طريقة واحدة فقط تناسب المحتوى، ولا ينفع غيرها، وتأتي النتائج في دراسة وطنية بأن 20% فقط من أطفالنا يتقنون القراءة والكتابة. وهنا تكمن البداية الجادة لمواجهة نظام تعليمي لا يعترف إلا بنوع واحد للتعليم، ويقر بقدرات متشابهة للأطفال وبمحتوى جامد للتعليم، ولا يتم ذلك إلا باكتشاف قوة الأطفال المدهشة وغير العادية، وقدراتهم للتعبير وتحقيق الذات بدلاً من كشف محدوديتهم ونقاط ضعفهم. والتعرف إلى اختلافهم، وأنهم ليسوا نسخة واحدة، فكلما وسعنا مدى الاحتمالات فيما نقدم لهم زادت دافعيتهم، وتطورت خبراتهم.

 

قد نبدأ بتوسيع مدى المواضيع، التي نعلّمها، وطبيعة أهدافها وأنواع المواقف تجاهها، وطريقة الربط والتجميع بين المصادر المختلفة، واحتمالات تفاعل الأطفال مع أقرانهم ومع المعلمين أنفسهم، وهو ما يتطلب من المدرسين أن يكونوا أكثر انتباهاً وادراكاً لملاحظة الطفل وأكثر استجابة لردود فعله، إذ يبدأ الابداع بمساعدة كل طفل للوصول إلى قمته. فالصغار أعظم من يقيم، وأكثر القضاة حساسية لقيمة الإبداع؛ ويرجع ذلك إلى ميزة مهمة هي عدم الارتباط بما لديهم من أفكار وطرق بالتفكير، فهم على استعداد لاكتشاف ما اكتشفوه مرات ومرات.

 

ترتبط عند ذلك احتمالات الإبداع بالخبرة اليومية، التي يعيشها الطفل، إذا قدمت له بطريقة غنية وداعمة، إضافة إلى تعزيز شخصيته، خاصة فيما يتصل بجانب المغامرة واللامألوف والحدس. فينمو الإبداع ضمن مجموعة من المهارات المعرفية والانفعالية والأدائية التي تدعم بعضها لمساعدة الطفل للوصول إلى حل جديد مختلف. وبالطبع لا يتأتى هذا إلا من خلال معلمين وآباء أقل ارتباطاً بالقوالب التعليمية الجاهزة، وجاهزين لملاحظة المواقف بموضوعية وتفسيرها، وأكثر انتباهاً للعمليات المعرفية التي تخص الأطفال وليس نتائجها فقط.

 

وبالرغم أننا وأطفالنا وجدنا أنفسنا في عالم تهيمن فيه الآلة، إلا أنه يلزمنا وقفة لالتقاط الأنفاس، وإعادة تصوراتنا عن أنفسنا أولاً، وعن أطفالنا ثانياً، وعن العالم أيضاً. أدعو كل أب وأم، وكل معلمة ومعلم، أن نقف ونتمهل قليلاً مع بداية العام الدراسي لنتعرف على أطفالنا عن قرب، ونقدم لهم حاجتهم الحقيقية، لنساعدهم في صعود جبالهم، فالأطفال ليسوا نسخاً عن بعضهم والتعليم ليس قوالب جاهزة. لنبحث عن التسع والتسعين لغة لديهم، ولنجعل التعليم فرصتهم للفرح والإبداع.

 

أسيل الشوارب: أستاذ مشارك في قسم العلوم التربوية/ جامعة البتراء. قدّمت عشرات الأبحاث والأوراق العلمية، ومنها: تصورات الوالدين حول الممارسات الملائمة نمائياً في رياض الأطفال، تصورات “الطلبة المعلمين في تخصص معلم الصف” حول التعلم والتعليم.

أضف تعليقك