زيد فهيم العطاري
قبل الخوض في تفاصيل الحالة الاردنية علينا أن نُعرف المجال العام الذي نظّر له الألماني هابرماس في ستينيات القرن الماضي، فالمجال العام هو تلك المساحة التي يتناقش ويتفاعل فيها الأفراد والجماعات حول مختلف القضايا، حيث تُفضي هذه النقاشات إلى تشكيل ما يُسمى بالرأي العام، وأحد شروط نجاح المجال العام هو انفصاله عن السلطة السياسية، ليكون قادراً على تقديم التقييم السليم دون ضغوطٍ أو تدخلات أو إملاءات.
مع تقدم التكنولوجيا والثورة الرقمية اتسعت أذرع ومكونات المجال العام فظهرت الصحافة الرقمية ومنصات التواصل الاجتماعي موفرةً مساحة إضافية للنقاش والحوار، بيد أن اتساع هذه المساحة كشف مواطن عدة للخلل في المجال العام عندما نتحدث عن سياقه الأردني.
ليس خافياً بأن قياس اتجاهات الرأي العام يعتبر ضرورة لصانع القرار لإرشاده في وضع السياسات واختيار البدائل، حيث تشكل هذه الاتجاهات تغذيةً راجعة لا يمكن لأي سلطة سياسية تجاهلها، إلا أن الحالة الأردنية تواجه صعوباتٍ عدة منها ما يتعلق بتكوين المجال العام ومنها ما يتعلق بطريقة التفاعل معه من جانب السلطة السياسية.
لقد اتفقنا على أهمية استقلالية المجال العام ليكون حراً في مداولاته ومواقفه إلا أن هذه الاستقلالية ليست في أحسن حالاتها فكثير من أدوات تشكيل المجال العام يظهر انقسامها وتفرقها عند طرح أي قضيةٍ اجتماعية تأخذ مداها لتصبح قضية رأيٍ عام فتتحول النقاشات والمداولات لتأخذ شكل الاستقطاب والتوجيه البعيد عن الموضوعية والحياد فتصبح أقرب لمحاولة تغليب رأيٍ على أخر وقد يبلغ الأمر في بعض الأحيان مبلغ التخوين الأمر الذي يهدد سلامة النسيج المجتمعي في بعض الأحيان فيفقد النقاش العام هدفه وأهميته.
على صعيد تكوين المجال العام نلحظ ضعفاً بما يقدمه من حيث المحتوى والتفاعل مع القضايا اليومية وتطوراتها ولتوضيحٍ أكبر نلحظ في المجتمعات الغربية وبالرغم من وجود الثورة الرقمية والاتصالية بشكلٍ مضاعف استمرارية حضور الصحافة في طرح القضايا والتفاعل معها بعمق في حين تشهد هذه الجزئية تراجعاً فلم نعد نرى ما يعنون بالكواليس كما في السابق إضافة إلى أن ما نقرأه في كثير من الأحيان ليس سميناً بما يكفي لإنتاج تغذية راجعة أو مداولاتٍ تخدم السياسات العامة ولعل السبب في ذلك إداريٌ متعلقٌ بالإرادة العامة من جانب صانع القرار وصعوبة الحصول على المعلومة.
على الجانب الأخر المتعلق بمكونات المجال العام فإننا نشهد بين الفينة والأخرى حالات ضعفٍ وإضعاف لأركان أساسية فيه صحفية أو نقابيةً أو جمعية إلى غير ذلك من الأشكال المكونة للفضاء العام وقد يرافق ذلك حفزٌ لمكوناتٍ أخرى وخلق مكوناتٍ جديدة الأمر الذي يطرح تساؤلين الأول يتعلق بأهمية وجود مسافة واحدة من كافة مكونات الرأي العام دون تقويضٍ أو تقوية لأيٍ منها على حساب الأخر والثاني حول أثر التراجع في الحريات العامة على كفاءة المجتمع وقدرته على التفاعل مع القضايا الوطنية.
ختاماً فالتأكيد مجدداً على الاستقلالية فأهميتها لا ترتبط فقط بالتأثير على حرية المناقشات بل بكفاءة ونوعية المكونات التي تصنع المجال العام مما يعني أن الاستقلالية هي اللبنة الأولى التي تفضي لتكوين مجالٍ عام يفضي لنتائج ايجابية ومخرجاتٍ سِمان.