لِمَ يواصل السياسيون المتقاعدون احتلال كبريات الشركات العامة؟

لِمَ يواصل السياسيون المتقاعدون احتلال كبريات الشركات العامة؟

لا أحد يستطيع أن يُقنع مراكز القرار بأن الشركات المساهمة الكبرى، التي تمتلكُ الدولة أو المؤسسات الاجتماعية التابعة لها جزءاً كبيراً منه أسهمها، بأنها جزءٌ مهمٌ وحساسٌ من الاقتصاد الوطني، يؤثر نجاحها أو إخفاقها  في المالية العامة للدولة مباشرة، حيث أن  نجاحها يحل مشكلات كبيرة، لذلك تحتاج إلى إدارة كفؤة ونوعٍ من الاستقلالية وأن تبقى في منأى عن أي اعتبارات سياسية أو اجتماعية.

تحديداً وبوضوح أكثر؛ يجب أن تبقى خارج سياسة التنفيعات وجبر خواطر المسؤولين الذين غادروا مواقعهم القيادية. فَبِأيّة آليات وخبرات يستطيع وزير تربية سابق أن يدير مؤسسة الفوسفات، أو كيف يستطيع رئيس وزراء سابق أن يدير بنكًا أو شركة عقارية؟ هذا غير عضوية مجالس إدارة الشركات، حيث يحتلّها متقاعدون من الوزراء والنواب والأمْنِيين .

هناك الكثير من قصص التنفيع التي مارستها مراكز القرار على حساب مؤسسات تعاني أساساً من نتاج ترهّل  جهازها الإداري المتضخّم بموظفين زائدين على حاجتها ويشكلون عبئاً إضافياً يُثقل على موازناتها، فمثلاً عندما أُقيل أمين عمّان، المثير للجدل، من منصبه، وهو الذي لا يحظى بتأييد شعبي، بل يتعرض لانتقادات واسعة، ثم عُيّن في شركة بلغت خسائرها مئات الملايين، طبعاً؛ هو ليس من صغار الموظفين الذين يُعيّنون ببضع مئات من الدنانير، إضافة إلى أنه قد عُيِّن بعض المقربين منه في مناصب حساسة يُعتقد أنهم ليسوا بالكفاية المناسبة لها.

جانب التنفيع ليس هو الوحيد الظاهر في الصورة، ففي المقابل يلجأ بعض الشركات المساهمة إلى تعيين مسؤولين سابقين للتحصّن من إجراءات رسمية أو قانونية قد تُتخذ بحقها، ويدلل على ذلك شركة عقارية تلاعبت بسوق عمّان المالي قبل سنوات بمضاربات غير نزيهة، أوصلت الأمور إلى أن رئيس مجلس إدارتها، وهو رجل أعمال معروف، كان على وشك أن تُحرَك ضِدُّه قضايا قد تودي به إلى خلف القضبان، فما كان من هذا المغامر بأموال صغار المساهمين إلّا أن أقدم على تعيين رئيس وزراء سابق في إدارة تلك الشركة وبراتب خيالي، فكانت النتيجة المباشرة لهذا التعيين، وبقدرة قادر، أن أُوقفت القضايا التي كانت جاهزة لتُرفع ضِدُّه.

أما الجانب الثالث من الصورة؛ فهو لجوء بعض المساهمين الكبار إلى تعيين سياسيين يفتقرون تماماً للخبرات اللّازمة في عالم الأعمال في شركاتهم، لتسيير معاملاتهم وتسهيلها لدى الجهات الرسمية، فترى أكثر من وزير أو رئيس وزراء سابق على رأس بنك تجاري، وفي الأغلب، بما أن المناصب الحكومية تُدوَّر في الدوائر نفسها، فإن مسؤولي الدوائر الرقابية على البنوك يكونون سابقاً في رُتب أقل منه، ما يجعل له سطوة عليهم تؤهله لفرض مصلحة منشأته على المصلحة العامة أو تغليب مصالحه ومصالح جزء من المساهمين الكبار على مصالح المؤسسة وغالبية المساهمين.

ليست الخطورة فقط في أن هذه الإجراءات الخاطئة تؤثر على أداء المنشأة الاقتصادية، وبالتالي على نتائجها وإيراداتها، وأنها قد تضرّ المصالح العامة، بانتشار آفات المحسوبية في التعيينات والتهرب الضريبي، بل إن خطورتها تتجلى بمساهمتها الفعّالة في زيادة حالة عدم الثقة، المتنامية بين عامة أفراد الشعب من جهة وبين الإدارة والسلطات الحكومية من جهة أخرى، ما يؤسّس لموقف شعبي يائس يُوطّن النظرة العدمية حيال الإصلاح والعدالة الاجتماعية، وهذا كلّه يدفع تُجاه التطرّف والانفجار الاجتماعي الذي قد يعصف بكل شيء.

 

محمد قبيلات: كاتب وصحافي أردني

أضف تعليقك