ليس دفاعا عن موسى برهومة..بل خوفا على الصحافة الأردنية!

ليس دفاعا عن موسى برهومة..بل خوفا على الصحافة الأردنية!
الرابط المختصر

يعتبر الاعلام المستقل بوسائله المختلفة من أهم سمات المجتمع الديموقراطي, ومن هنا نفهم تسميته بالسلطة الرابعة..وأما بالنسبة لحرية التعبير عن الرأي فهي مقدسة كقدسية الأديان, والمجتمع الذي لا يحترمها يكون قد ألقى بنفسه الى التهلكة..لماذا كتب على اعلامنا العربي أن يكون تبعيا وبعيدا كل البعد عن الاستقلالية؟..ألم يحن الوقت لنكون في مصاف الدول المتحضرة واعلامها المستقل الذي لا يرهبه أي نظام؟..ألم يصدق ديفيد وارمرز المستشار والمسؤول عن قسم الشرق الأوسط في فريق ديك تشيني في مقولته عن اسطبل المثقفين العرب: "من ضمن خطتنا في المنطقة لابد أن ننتبه للإعلام..الإعلاميون العرب كلهم أعداء وكلهم ضد السامية وكلهم يمكن أن يشكلوا معسكر الخصم, لكن لابد أن نجد إسطبلا من الإعلاميين العرب يشبه سفينة نوح, الأحصنة في هذا الإسطبل وظيفتهم أن يقولوا دائما إن سوريا وإيران هما المشكلة, أما الحمير فهم من يصدقوننا بأننا نريد الديمقراطية, أما حظيرة الخنازير الذين يقتاتون على فضلاتنا فمهمتهم كلما أعددنا مؤامرة أن يقولوا أين هي المؤامرة؟"..وألم يحن الوقت لنرتقي باعلامنا ونفند هذه المقولة المؤلمة.

طالعتنا وسائل الاعلام الأعلام الأردنية وغيرها بنبأ اقالة رئيس تحرير صحيفة"الغد" الأردنية موسى برهومة من منصبه بناء على قرار اتخذه رئيس مجلس ادارة الصحيفة وناشرها محمد عليان, وقد كثرت وتضاربت تحليلات سبب اقالته, الا أن المرجح ان ضغوطا حكومية مورست على عليان لإقالة برهومة بسبب عدة قضايا تناولتها الصحيفة مؤخراً في ما يتعلق بانتقاد بعض السياسات الحكومية وإثارة الصحيفة لقضايا سياسية حساسة.

يذكر بأن برهومة كان رابع رئيس تحرير لصحيفة الغد منذ انطلاقها عام 2004، بعد عماد الحمود، أيمن الصفدي وجورج حواتمة, وهي واحدة من بين ست صحف يومية، وتتلقى تمويلا كاملا من القطاع الخاص.

ومن المعروف بأن برهومة باشر عمله كرئيس لتحرير"الغد" اعتبارا من شهر تشرين أول عام 2008 خلفا لجورج حواتمة, وعن هذا التغيير قال عليان انه جاء لضخ دماء شابة في قيادة الصحيفة التي انطلقت في صيف عام 2004م, وأضاف عليان قائلا عن نهج الصحيفة:"المستقبل الذي لا مكان فيه للجمود والبيروقراطية، بل نهج يشكله الإبداع وتبنيه الجرأة المدروسة، ويعززه التعاون والانفتاح، نهج يشجع على الغوص في الاحداث لاستخراج الحقيقة من أعماق الواقع وجعل مصلحة الوطن والمواطن فوق كل مصلحة، وبناء مستقبل الصحيفة على أساسات قوامها التشاور والعمل الجماعي لا الفردي".

وأشاد عليان بموسى برهومة:"الذي يملأ هذا الموقع بعد سنوات من العطاء السخي في صحيفة "الغد" ، إذ كان أحد مؤسسيها الأوائل، ومن حوله أعضاء وأعمدة هيئة التحرير".

بعد هذه الأقوال التي تشيد ببرهومة, من حقنا أن نسأل: ما هو الأمر الذي جعل عليان يتخذ قراره باقالة رئيس تحرير صحيفة"الغد"؟.

انه لأمر واضح وضوح الشمس بأن الحكومة الأردنية الحالية لا تبذل أي جهد يذكر في سبيل وصول الأردن الى مصاف الدول المتقدمة ديموقراطيا وسياسيا, ومن هنا فبوسعنا القول بأن حكومة الرفاعي لم تنفذ بل تخالف مساعيها"المزعومة" اتي تحمي وتدافع عن حرية النشر والتعبير عن الرأي واحترام الرأي الاخر, تلك المساعي التي سمح بها الدستور الأردني, والأنكى انها تقوم بوضع سقف لسماء الحريات اتي ضمنها ملك الأردن وفي كافة المجالات.

ان ما حدث لهو مؤشر واضح على أن الصحافة الأردنية تبعية بكل ما في الكلمة من معنى, وهي تدار من قبل الحكومة وليس من قبل محرريها, ومن الواضح أيضا أن ناشري الصحف في الأردن لا يبذلون جهودا تجعل الصحافة حرة ومستقلة وغير تبعية, وهذا هو عامل الدمار الرئيس للصحافة وحريتها.

ومن هنا فبوسع أي مواطن أن يدرك بأن اقالة برهومة من منصبه جاءت بأمر من الحكومة, وهذا الأمر ينذر بكارثة حقيقية في واقع الصحافة الأردنية ومستقبلها والذي يجعله على"كفي عفريت".

لقد سبق وأن قلت بأن الصحافة في الدول الديموقراطية تلقب بالسلطة الرابعة, ومن واجب الحكومة تطبيق الدستور الذي يضمن حرية الصحافة, وليس من واجبها أن تضمن هذه الحرية, ومن هنا نسأل:ما هو دور الصحافة اذا فقدت حريتها وكبلت أيديها وكممت أفواهها؟.

من الواضح بأن الحكومة معنية بصحافة تتكلم باسمها ولا تقوم بانتقادها..صحافة تبعية ترى الواقع وتكتب عكسه..صحافة ترى الفساد وتصف الوضع بأنه"ملائكي"..صحافة ترى الخط الأعوج وتصفه بأنه الخط الأكثر استقامة.

الحراك الاصلاحي مطلوب وكذلك الانفراج الديموقراطي, ولكن لا يمكن التحدث عنهما في ظل سياسة تمتاز بعقلية الهراوة وتكميم الأفواه, وتتلذذ في قمع اراء المخالفين ومحاربتهم, متبعة مقولة:من هو ضدي فهو ليس معي وليس مني, وعلي محاربته.

وأختتم بما قاله أحد الزملاء ناصحا محمد عليان بوضع اعلان على الصفحة الأولى لصحيفة "الغد":"مطلوب رئيس تحرير"بِسمع" الكلام و"بحب" الحكومة حُبّاً جمّاً، على ان يكون جباناً فارغ الدماغ، ليس له رأي أو فكر، لا يكترث بارتفاع الأسعار وفرض الضرائب، ولا يتدخل فيما لا يعنيه شخصيا..الخبرة غير مطلوبة".

نعم لحرية الصحافة والنشر والتعبير عن الرأي..نعم وألف نعم لاعلام مستقل غير تبعي..لا وألف لا لسياسة تكميم الأفواه.

أضف تعليقك