لماذا لا تقود المتفوقات المجتمع؟

لماذا لا تقود المتفوقات المجتمع؟
الرابط المختصر

 

لم أكن يوماً من الأشخاص الذين يهتمون بالقضايا الجندرية على نحو جدي، وكنت أراها استحقاقاً للمرأة على كفاءتها، وليست مجرد ضجة إعلامية من أجل إيصالها لمراكر القيادة، إلا أن استفزني ، وتحليله أسباب تفوق الإناث على الذكور في امتحان الثانوية العامة، وحصولهن على المراكز الأولى باكتساح.

 

تزامنت هذه المقالة، بالصدفة، مع مقالة أخرى في الأسبوع نفسه، في صحيفة "الواشنطن بوست" للكاتبة إيمي جويس، وهي كاتبة متخصصة بشؤون الأسرة والتربية، عن تقرير لمشروع، في جامعة هارفرد حول كيفية جعل ابنتك قائدة، يستند إلى تقرير تضمّن نتائج صادمة للمجتمع الأمريكي، في قضايا التحيز الجندري، لدى الأولاد والبنات في سن المدرسة، حيث أظهر مثلاً أن 23% من البنات  و40 % من الأولاد يفضلون أن تكون القيادات السياسية من الرجال، بينما 8% من البنات و 4% من الأولاد يرون أن النساء يمكن أن ينجحن في مجال الأعمال.

 

شكّلت هذه النسب، وأخرى مشابهة، هزة جديدة نحو التفكير في المناهج التي تدرس وأساليب التنشئة الاجتماعية لهؤلاء الأطفال، وأننا كمربين نتحمل مسؤولية هذه النسب المقلقة، وهي تعني بطريقة أو بأخرى أننا ننقل تحيزنا الجندري بطريقة غير شعورية عبر التعامل اليومي، ومن خلال مناهج دراسية متحيزة فعلاً، وقد أدرج التقرير مجموعة من التوصيات التي تضمن مجتمعاً أو مدرسة أو بيتاً خالياً من التحيز الجندري.

 

بين تفوق المقموعة وبين جامعة هارفرد حين تقدم مشروعاً إلى الوالدين وللمربين لتمكين الفتيات نحو القيادة بأشكالها كافةً في عالم السياسة والأعمال والمجتمع، نفرح لأن البنات في مجتمعنا يوصلن بتفوقهن رسالة للجميع بأنهن قادرات، لكن السؤال الذي يلي ذلك: هل نحن قادرون على دعم هذه المتفوقة، وهل ينتهي التفوق بعد الثانوية العامة أو بعد التخرج من الجامعة؟ ويزول دعمنا بالمباركة والهدية، أم يستمر الدعم ليتواصل التفوق؟ هنا تبدأ الخطوط بالتشابك بين الأسرة والمؤسسة التعليمية والمجتمع ثم سوق العمل والزواج والإنجاب، وتتضافر جميعها بغية عزل المتفوقة وجعلها تستسلم بعد أول إجازة أمومة مارست فيها دورها كأنثى، فإذا قررت المرأة التنازل عن هذا الدور فالشبكة أكبر والخطوط أكثر، والجميع يعلم بها.

 

بعيدأ عن "هارفرد" نحن بحاجة إلى تمكين ودعم الفتيات، مبكراً، ولا يكفي أن تبدأ مشاريعنا بالمرأة العاملة، فالمرأة المتمكنة والواثقة هي أصلاً فتاة مستقلة نسبياً، كما أن التفوق لا يأتي في الثانوية العامة أو الجامعة فقط.

 

بخبرتي المتواضعة في التعليم في مدارس البنات وفي الجامعات، فإن بناتنا بحاجة إلى الكثير من الدعم والإسناد في كل المجالات ولديهن القدرة على التميز إذا ما توفر الدعم. تربية البنات اليوم في حالة شد عكسي كبير بسبب سوق مستحضرات التجميل، والإعلام الذي يرسم صورة هشة للمرأة، وعالم الأزياء المغري والفن الجذاب يحمل بناتنا إلى عالم غير عالمهن الحقيقي. البنت بحاجة إلى قوة حقيقية في شخصيتها تجعلها تتجاوز كل هذه المغريات، وتبدأ بأول ذكر في حياتها هو الأب، ثم الأم التي تؤمن بها، فالمدرسة التي تقدم لها ما تحتاج وأكثر.

 

دعونا نفكر معاً وبصوت عالٍ كيف نحمل المتفوقة لتبقى على تفوقها؟ كيف نبحث عن مجال للتفوق لدى

كل بنت؟ كيف نجعل الأولاد والبنات يتقدمون في المجتمع من دون أي تحيز، ويتحررون مما حملناه نحن في داخلنا وفي سلوكنا.

 

أسيل الشوارب: أستاذ مشارك في قسم العلوم التربوية/ جامعة البتراء. قدّمت عشرات الأبحاث والأوراق العلمية، ومنها: تصورات الوالدين حول الممارسات الملائمة نمائياً في رياض الأطفال، تصورات “الطلبة المعلمين في تخصص معلم الصف” حول التعلم والتعليم.

أضف تعليقك