لماذا تخرج المطالب السياسية للشارع؟
ضمن تداولات النخبة السياسية الأردنية في الشأن الوطني ومشروع الإصلاح، يتم تسبيب وتفسير وانتقاد أطراف العمل السياسي العام كافة بدرجة أو بأخرى، من رسميين وغير رسميين، مؤسسات وحركات. الجميع يبدون مقتنعين أن اللحظة الوطنية الراهنة معقدة واستثنائية، ليس لأنها صعبة، ذلك أن الأردن مر في تاريخه بمصاعب وأزمات أكبر بكثير مما يحدث الآن، لكن استثنائية اللحظة السياسية الراهنة تتأتى من عدم وضوح وتضارب النهاية الاستراتيجية التي تريد أطراف العمل السياسي الوصول إليها، وبسبب غياب قدرة الحكومة على ملء الفضاء السياسي بخطاب متقدم ومقنع وواثق. والاستثنائية تتأتى أيضا لأن الأزمات التي مر بها الأردن في السابق كانت تأتيه من الخارج –كما حدث في الخمسينيات والسبعينيات– لكن الحراك الوطني الحالي يأتي محفزا بعوامل داخلية مرتبطة بمطالب إصلاحية محلية.
بعض النقاشات العامة تتساءل وبمشروعية عن أسباب نزول البعض إلى الشارع للتعبير عن مطالبه الإصلاحية، والجواب المباشر والمقنع لكثيرين يكون لأن القوى السياسية المطالبة بالإصلاح إما أنها لا تعتقد بجدية الحكومة وطيب نواياها بموضوع الإصلاح، أو أنها تعتقد بضرورة استمرار الضغط الشعبي حتى لا تتفلت الحكومة من وعودها الإصلاحية. ولكن، وعلى حد تعبير سياسي أردني بارز، فإن الناس يخرجون إلى الشارع لأنهم فقدوا أدوات التعبير الطبيعية والمعتادة، والتي تتمثل، أولا، في وجود إعلام معبر ومستجيب لتوجهات المجتمع، وثانيا، وجود مجلس نواب "يملأ عين الرأي العام" ويقنعه أنه معبر عنه، وأخيرا، وجود أحزاب تتجاوز الشخصانية والنمطية اللتين يتسم بهما جل أحزابنا. هذا كلام استراتيجي مهم، لأن الإضعاف الممنهج لهذه المؤسسات أدى إلى عدم استقرار أدوات التفاعل السياسي الطبيعي، وبالتالي فقدانها مصداقيتها، ما هيأ لفراغ سياسي مجتمعي يتم ملؤه الآن من قبل حركات سياسية عفوية وعشوائية ومنفلتة لا تعتقد إلا بالشارع كوسيلة للتعامل السياسي.
تحديد المشكلة ضمن هذا الإطار يبدو دقيقا، لكن المعضلة تبقى في كيفية التعامل معها، وهل نحن قادرون الآن على تقوية أحزابنا وبرلماننا، أو هل لدينا الوقت لعمل ذلك بما أننا في سباق مع مطالب الإصلاح في محاولة لاستباقها؟ الجواب عن كلا السؤالين: لا. أما من ناحية الإعلام، فالأمر أكثر تعقيدا. فبالرغم من منطقية إحلال التعبير من خلال الإعلام مكان التعبير من خلال الشارع، إلا أن تاريخنا الإعلامي الحديث يشير أن كثيرا من إعلامنا عندما يبادر للاضطلاع بدور المعبر عن حراك الشارع تراه سرعان ما ينزلق إلى اللامهنية، بل ويصبح الإعلام هو المثور للشارع كالريح للنار.
المشهد الوطني بحاجة لنبرة سياسية حكيمة، ولكنها قوية، تستطيع أن تخاطب القوى التي تصر على استخدام النزول للشارع باللغة التي تفهمها، وبمصداقية تتجاوز حدود الخطاب السياسي التقليدي الذي يتضح أنه قد فقد قدرته على التأثير في الحراك الوطني وفي الحركات السياسية المستجدة. مطلوب خطاب سياسي قادر على عقلنة الإصلاح وتوجيهه لنهايات متقدمة مع استمرار محافظته على مكتسبات الأردن التاريخية ورصيده السياسي والاجتماعي الذي راكمه.
الغد