لماذا أنتم "متشائمون"؟!

لماذا أنتم "متشائمون"؟!
الرابط المختصر

ربما لم نكن بحاجة إلى استطلاعين للرأي العام الأردني (الأخير أجراه المعهد الجمهوري، وقبله مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية)، لنتأكّد بأنّ حالة من التشاؤم الكبير والسلبية تجاه المشهد السياسي تتلبّس المزاج العام في البلاد؛ فهي حالة يمكن الشعور بها من الوهلة الأولى، سواء في حديث المجالس أو في سلوك الناس!

إنّما قيمة الاستطلاعات أنّها تغوص وراء السطح السياسي، لتتعمّق أكثر في محاولة تشريح هذه الحالة العامة، وتقديم خريطة نسبية لأسبابها ومسبّباتها واتجاهاتها. وهي خطوة ضرورة ومهمة في عملية صنع السياسات وتحديد خيارات الدولة مستقبلاً، أو على الأقل إدراك مكامن الخطر الحقيقي والخلل الكبير في السياسات الرسمية.

في استطلاع المعهد الجمهوري الأخير، نجد أنّ نسبة 45 % من العيّنة الوطنية متشائمون (يرون أنّنا نسير في الاتجاه الخطأ)، مرتفعة عن العام الماضي بـ19%، وهي نسبة مقلقة جداً، والعكس صحيح؛ أي أنّ نسبة من يعتقدون بأنّ الأمور تسير في الاتجاه الصحيح انخفضت بنحو 17 %.

وللتذكير، فإنّ نسبة من يعتقدون بأنّ الأمور تسير في الاتجاه الخطأ في استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية الأخير المعلن (عن مرور 100 يوم على حكومة الطراونة) كانت قرابة النصف، بزيادة عن الاستطلاع السابق.

شعور نصف المجتمع بأنّ الأمور تسير في الاتجاه الخطأ هو شعور خطر، وينعكس على علاقة الناس ببعضهم، وبالدولة ومؤسساتها، وبانهيار الثقة الاجتماعية، وحتى على الجانب الاقتصادي والاستثماري. وفي ظنّي أنّ مثل هذه الحالة أخطر بكثير من الحراكات والمسيرات التي تشكّل الهاجس الأكبر لدى "مطبخ القرار" في عمان.

يمكن اختصار هذه الحالة بأنّها تتمثل في سيادة "عدم اليقين" لدى شريحة اجتماعية واسعة مما يجري، والقلق من المستقبل، والشعور بأنّنا نسير في اتجاهات خاطئة!

خلال الأشهر الماضية، بماذا امتاز المشهد العام؟ انتشار العنف الجامعي، بدون القدرة على وقفه بالرغم من عشرات الخلوات والمؤتمرات، وفي إطار أوسع عنف اجتماعي وانهيار المركز الأخلاقي للدولة بتكرر الاعتداء وأحداث الشغب. كل ذلك بالتزامن والتوازي مع أزمات في الخدمات والمياه والبنية التحتية؛ أزمة مالية خانقة، وارتباك في إدارة عملية الإصلاح، فارتفاع سقف الحراك، ثم الاعتقالات والاعتداءات على الناشطين، والإفراج عنهم؛ الأزمة مع الحركة الإسلامية؛ الغموض تجاه ملف الأرقام الوطنية، وتباين خطاب الدولة وسلوكها في هذا الاتجاه؛ القلق على الاحتياطي من العملة الصعبة؛ رفع أسعار المحروقات، ثم تجميدها؛ توقيع اتفاقية مع صندوق النقد الدولي تتسم بالغموض؛ عدم الوصول إلى حلول حاسمة مع ملف الفساد وما يثار حوله، إذ لم تقدّم الدولة كشف حساب في هذا الاتجاه؛ الاستدارات الكاملة ما بين حكومات تنفتح على المعارضة وتحاول استرضاءها إلى حكومات ذات نزوع محافظ متطرف ضد الإصلاح.

المفارقة في الاستطلاعات بأنّ اهتمام الناس في واد وما يتركز حوله الجدل السياسي والإعلامي في واد آخر؛ إذ إنّ نسبة من يعرفون عن قانون الانتخاب في استطلاع لمركز الدراسات لا تتجاوز الـ20 %، بينما من يريدون المقاطعة في استطلاع الجمهوري بسبب القانون هي فقط 6 %!

الدلالة الرئيسة من ذلك أنّه بالرغم من أهمية قانون الانتخاب وأجواء الانتخابات النيابية لتعديل المزاج العام، وهو ما يظهر جزئياً في أرقام جديدة طازجة، إلاّ أنّ الأزمة تتجاوز مشاركة المعارضة في الانتخابات، إلى وجود أزمة رؤية واتصال وتفكير داخل الدولة نفسها وفي علاقتها بالمجتمع والمواطنين، ما يجعل من رسالتها السياسية والإعلامية ضبابية غامضة، مشكوكا فيها، ويجعل من "انعدام الثقة" عنواناً في العلاقة بينها وبين المواطنين!

الغد

أضف تعليقك