لبننة الحوار الوطني

لبننة الحوار الوطني
الرابط المختصر

في لبنان: نستطيع تمييز ثقافة سياسية ذات طابع لبناني خاص ، تقل احتمالات رؤية مثيل له في بلدان عربية أخرى ، وذلك يعود لطبيعة البنية الاجتماعية في هذا البلد الشقيق ، خصوصا وقد كرس الاستعمار هذه الحالة ، وضمن دوامها قبل خروجه من لبنان ، ونظرة إلى دستور لبنان الشقيق ، تؤكد هذا التكريس ، وعندما نتحدث عن الحوارات السياسية الوطنية التي تتمايز أو تتعارض فيها وجهات النظر ، لا بد وأن نتحدث عن "اختراع" لبناني على صعيد الحوار الديمقراطي الجماهيري ، وهو ما ظهر جليا في الأحداث الجماهيرية منذ قبيل حرب تموز ، حيث رأينا أو كدنا ، حركات سياسية جماهيرية تمت تسميتها بأيام الأشهر لكثرتها ، ورأينا كيف تنتقل هذه الحوارات الى ممارسات شعبية ديمقراطية ، كالمظاهرات والمسيرات ثم الاعتصامات والمرابطات ، الى فترات تجاوزت الأشهر ، اجتمعت فيها الجماهير ووصلت أرقاما ناهزت المليون مواطن ، ثم قابلتها مسيرات ومظاهرات ومرابطات من تيارات سياسية أخرى ، مارس أتباعها "طقوسية" لبنانية ، ففهمها الناشطون العرب على أنها إضافات ديمقراطية ، لحوارات الجماهير والتيارات السياسية ، ولم يميز كثيرون من العرب أن مثل هذه الحوارات خاصة بلبنان ، ونابعة من طبيعة المعادلة الاجتماعية والسياسية لتركيبة المجتمع اللبناني..

لماذا نقول هذا ، وما علاقته بما يحدث في الأردن؟

في الوقت الذي تستمر فيه المسيرات والاعتصامات عندنا ، حيث تقوم بعض وسائل الاعلام بتقديم "حسبة" يومية لعدد الاعتصامات والمسيرات ، ويكتبون أرقاما تصل الى 3 خانات عن حجم هذه الفعاليات ، في هذا الوقت ، نرى بوضوح أن كثيرين من المتظاهرين يؤكدون عفويتهم ، وخلو بالهم من سبب نزولهم الى الشارع ، بدليل شعاراتهم التي يرددونها ، وتأتي تلقينا من أحد المتحمسين ، حيث يشك الواحد فينا أن هذا الحشد وهذه المطالب والهتافات هي محض تقليد لما يحدث في بلدان أخرى ، والمشكلة ليست في التقليد فحسب ، بل في جموح المطالب وخروجها عن كل السياقات ، وعندما نقول مؤمنين بأن من حق الناس أن يعبروا عن أنفسهم ، ويطالبوا بحقوقهم ، فإننا نحذر من جموح وانفلات تقود إليه مثل هذه المطالبات الخارجة عن سياق المألوف..

لا بد وأننا مقبلون على تطبيق الطريقة اللبنانية ، التي يقوم بها "فرقاء" سياسيون ، يحشدون الجماهير تحت مسميات تيارية سياسية ، ويتناظرون في الشارع كممثلين لوجهتي نظر أو أكثر ، ويقومون بشل البلد ، وتعطيل الحياة السياسية والحياة العامة.

هل سنشهد مثل هذه الحالة في شوارعنا ، حيث نرى مظاهرات واعتصامات مطالبة لحقوق ما ، ونرى بجوارها أو مقابلها مسيرة أو اعتصام آخر يطالب بنقيض ما تطالب به المسيرة الأولى.

أصعب أنواع الإدارة ، هي إدارة أو الإشراف على كتلتين بشريتين ، منخرطتين في حوار ديمقراطي وطني شعبي حاد ، يشبه الى حد بعيد حوار البنزين والنار ، عندها يتطلب الأمر من العقلاء والحكماء أن يكونوا رجال إطفاء بكامل الجهوزية والاستعداد.

الدستور

أضف تعليقك