كيف نواجه مؤامرة الوطن البديل؟
لا أستطيع أن أكتم غيظي أو أخفي شعوري بالصدمة وأنا أتابع مواقف وسلوك الأنظمة السياسية الرسمية العربية، وفي مقدمتها السلطة الفلسطينية وردود أفعالها على قرار الدولة الصهيونية بطرد سبعين ألف مواطن فلسطيني من الضفة الغربية، ويبدو لي أن هذه الأنظمة تتصرف أو لا تتصرف ويطلق الناطقون باسمها تصريحات هنا وهناك، وكأن الموضوع لا يعنيها من قريب أو بعيد.
وأتساءل بصدق هل تحولت القضية الفلسطينية إلى مشروع استثماري لبقاء واستمرار السلطة الفلسطينية بأي ثمن؟ وكيف أصبحت فكرة الوطن البديل هاجساً ثقيلاً يقض مضاجع نظام الحكم في الأردن ويهدد مستقبله؟
كما أتساءل هل تحولت مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى معسكرات اعتقال اختياري لسكانها، كما يتراءى لي من جهة أخرى أن وجود "المعارضة الفلسطينية" في سورية قد أصبح فزاعة أو ورقة سياسية يعلو صوتها ويخفت وفقاً لطبيعة الضغوط التي تمارس على النظام السوري، مثلما أصبحت قضية غزة المحاصرة ورقة رابحة بيد النظام المصري لكسب رضا الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، وأخيراً فقد غدت القضية الفلسطينية بالنسبة لبقية أنظمة الحكم العربية شيئاً من الماضي، وفرصة لتحلل هؤلاء من التزامهم القومي تجاه قضايا الأمة كلها.
ومع كل ذلك فهناك سؤال كبير لا بد من الإجابة عنه، كيف استطاعت إسرائيل أن تحتل كل فلسطين ومعها أراض عربية في مصر وسورية ولبنان والأردن، وأن تهدد الأمن القومي العربي تهديداً مباشراً، ثم تجعل من القضية الفلسطينية بمرور الزمن مشكلة أمنية لكل نظام عربي بمفرده؟
واليوم هل تدرك أنظمة الحكم العربية ومعها قيادة السلطة الفلسطينية، أن نجاح إسرائيل في تحقيق فكرة الوطن البديل، يعني قيام حكم بديل صنيعة لإسرائيل، وأن هذا يعني اختراقاً سياسياً واقتصادياً وأمنياً للوطن العربي من المحيط إلى الخليج؟
ألا تدرك هذه الأنظمة أن تنفيذ مؤامرة الوطن البديل، سيمهد الطريق ويهيئ الظروف الإقليمية والدولية الملائمة، لصراع عربي عربي وطي صفحة الصراع العربي الصهيوني، وأن إسرائيل ومن يؤيدها ستتعهد بتأجيج هذا الصراع، وسيشارك في تنفيذه العملاء من مختلف المستويات والمواقع في الوطن العربي، وأن الشعوب العربية ستكون هي حطب هذا الصراع؟
هذه ليست شطحة فكرية، ولكنها قراءة للواقع الراهن بعقل بارد واستشراف للمستقبل الذي يصنعه الآخرون إذا تخلى عنه أصحابه. ولنا جميعاً عبرة في ما يجري حولنا. أوليس ما يجري في العراق اليوم صراعا عربيا عربيا خلقته الولايات المتحدة الأميركية وقوات التحالف، وتؤججه دول وأجهزة أجنبية وعربية وينفذه تجار حروب وعملاء بغطاء طائفي؟ أوليس ما جرى في لبنان صراعا عربيا عربيا زرع الاستعمار والصهيونية بذرته الأولى واشتعلت نيرانه عندما تهيأت ظروف إقليمية ودولية ملائمة؟ أوليس ما جرى ويجري في السودان في بعض وجوهه صراعا عربيا عربيا؟ بل ألسنا نعيش اليوم صراعاً فلسطينياً فلسطينياً تحت حراب الاحتلال الإسرائيلي ولا يعرف أحد كيف ومتى وأين سيتطور هذا الصراع؟
أنا أدعو الشعب الأردني بجميع فئاته وكل الشرفاء في الأردن وفلسطين إلى وقفة صادقة مع النفس بعيداً عن العواطف والحسابات الصغيرة والعصبيات الضيقة، والعمل يداً واحدة لصون الوحدة الوطنية وصياغة مستقبلنا قبل أن يصوغه الآخرون لنا، في مواجهة الأخطار التي تهدد وجودنا، وإذا أردنا أن نهزم مؤامرة الوطن البديل فعلينا أن نحافظ على هذا الوطن الذي نعيش على ترابه أولاً بكل ما أوتينا من صدق وقوة، وأن نناضل موحدين لبناء دولة المؤسسات والقانون التي تضمن العدالة والكرامة للجميع، وتحترم حقوق المواطنة، وعلى النظام العربي الرسمي والدول العربية المحيطة بفلسطين بصورة خاصة أن تسقط مبادرة السلام العربية من حساباتها، فقد أصبحت أضحوكة أمام تعنت إسرائيل ورفضها لجميع مبادرات السلام العربية والدولية، وأن تعمل على خلق موقف فلسطيني موحد في مواجهة مخططات الاحتلال الصهيوني وعدوانه المستمر على الشعب الفلسطيني وعلى الأرض والمقدسات، وأن تتبنى برنامجاً على مستوى القمة لدعم صمود الشعب الفلسطيني على تراب وطنه فلسطين، وتنفيذ قرارات مؤتمري القمة الاقتصادية في الكويت ومؤتمر الدوحة ورفع الحصار عن غزة، وبذلك يكون لها دور في هزيمة فكرة الوطن البديل، وبذلك أيضاً تحمي النظام العربي نفسه من الاندثار.
المطامع الصهيونية في الأردن ليست جديدة، وما انفك العدو الصهيوني عن محاولة ضرب الوحدة الوطنية في الأردن. وعندما تداعى الأردنيون قبل عقدين في لجنة الميثاق الوطني التي ضمت مختلف التيارات السياسية والاجتماعية والثقافية قدموا إجابات وافية لأسئلة الهوية والعلاقة الأردنية الفلسطينية، وموضوع الوطن البديل، فقد قرر الميثاق، في الفصل السابع منه، ضرورة "استمرار هذه العلاقة وتمتينها، في مواجهة الخطر الصهيوني العنصري الاستعماري الذي يهدد وجود أمتنا العربية وحضارتها ومؤسساتها ويستهدف الأردن مثلما استهدف فلسطين.
وفي مواجهة مشروع الوطن البديل، أكد الميثاق، أن الهوية العربية الفلسطينية هوية نضالية سياسية، وهي ليست في حالة تناقض مع الهوية العربية الأردنية ويجب ألا تكون، فالتناقض هو فقط مع المشروع الصهيوني الاستعماري، وكما أن الهوية الوطنية الفلسطينية هي نقيض للمشروع الصهيوني وتكافح من أجل هدمه، فإن الهوية الوطنية الأردنية من هذا المنظور هي أيضاً نقيض للمشروع الصهيوني وتحصين للأردن من مخططات الصهيونية ومزاعمها المختلفة.
وبهذا المفهوم يصبح الأردن وفلسطين حالة عربية واحدة، بنضالهما المشترك في التصدي للمخطط الصهيوني التوسعي ورفضهما الحازم لمؤامرة الوطن البديل.
وعلى هذا الأساس فإنه لا يجوز بأي حال من الأحوال أن تفهم العلاقة الأردنية الفلسطينية أو أن تستغل أي حالة فيها من أي طرف وتحت أي ظرف لتصبح مدخلاً للانتقاص من حقوق المواطنة وواجباتها، أو سبباً لإضعاف الدولة الأردنية من الداخل، وخلق الظروف التي تؤدي إلى تمرير المشروع الصهيوني لتحويل الأردن إلى بديل عن فلسطين. وبهذا المفهوم يصبح الالتزام بأمن الأردن الوطني والقومي مسؤولية تقع على عاتق المواطنين جميعاً، مثلما يؤكد ذلك نضالهم وتضحياتهم الموصولة في سبيل تحرير فلسطين والحفاظ على الأردن وعروبته.
وانطلاقاً من كل ما سبق، فإن الوحدة الوطنية الأردنية هي القاعدة الصلبة التي تقوم عليها العلاقة الوثيقة بين جميع المواطنين في الدولة الأردنية. كما أن استحالة الفصل على أرض الواقع بين المواطنين من أبناء الشعب العربي الأردني على اختلاف أصولهم تستلزم حماية هذه الوحدة وترسيخها، بما يعزز منعة الأردن ويحفظ أمنه الوطني والقومي ويحمي جبهته الداخلية ويضمن الفرص المتكافئة لجميع المواطنين من دون تمييز ويصون مصالحهم المشروعة وحقوقهم التي كفلها الدستور.
هذا ما توافق عليه الشعب الأردني قبل عشرين عاما، وسنظل في وجه المؤامرات قابضين على جمر الميثاق لا نخلف العهد. لا نجبن في مواجهة ولا ننزلق لفتنة.
*رئيس الوزراء الأسبق، والمقال منشور على موقع "الجزيرة نت"، ونعيد نشره بموافقة الرئيس عبيدات/الغد