كيفية معالجة خيبة أمل العالم من إسرائيل
قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية للصحفيين هذا الأسبوع إن واشنطن تشعر بخيبة أمل من إسرائيل بسبب فشلها في وقف توسيع المستوطنات طالما أن محادثات السلام مستمرة.
واستخدم الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" نفس الكلمات لوصف ما تشعر به الأمم المتحدة تجاه إسرائيل؛ كما أعرب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، بعد اجتماعه مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في باريس، عن نفس المشاعر إزاء قرارات إسرائيل.
إنها ليست المرة الأولى التي يظهر المجتمع الدولي خيبة أمل من دولة إسرائيل، ولكن السياسة الخارجية، بكل تأكيد، لا تشكّل من خلال شعور سلبي تجاه بلد ما. وإذا كان مجمل استياء المجتمع الدولي من إسرائيل يتم التعبير عنه ببساطة من خلال صفة سلبية، فإن تقدما نحو سلام دائم لن يتحقق.
إن الموقف الأميركي هو على الأرجح الأكثر حيرة، فقد استثمر الرئيس الأميركي موقعه في مكتب الرئاسة لتقديم مناشدة علنية من منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة، طالباً من الإسرائيليين تمديد تجميد النشاط الاستيطاني لثلاثة أشهر لإعطاء المحادثات المباشرة فرصة للنجاح. وأشاد باراك أوباما في الخطاب ذاته بشجاعة الرئيس الفلسطيني الذي يخاطر من أجل السلام.
صرحت واشنطن، التي تشارك في حربين مباشرتين (وغيرها كثير غير معلن) بوضوح أن سلام الشرق الأوسط يصب في المصلحة الوطنية للولايات المتحدة، وكان هذا التصريح قد ذُكر لأول مرة من قبل وزيرة الخارجية السابقة، كوندوليزا رايس، ومنذ ذلك الحين تكرر ذكره من قبل الرئيسين بوش وأوباما، وكذلك وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون.
كيف يمكن للولايات المتحدة والمجتمع الدولي التعامل مع خيبة الأمل هذه؟ بالتأكيد لا يمكن للأميركيين وبقية اللجنة الرباعية (روسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي) أن تقتصر ردود فعلهم ببساطة على تصريحات علنية.
هناك طريقة واحدة لعلاج هذه الخيبة وهو جعل الطرف الذي يمضي قدماً بخلاف مصلحة الولايات المتحدة الوطنية أن تصاب مصالحه الخاصة بالضرر، ولدى واشنطن وسائل ضغط كثيرة يمكن استخدامها ضد تل أبيب من شأنها أن تجعل هذه المشكلة تختفي بالتأكيد.
إن الولايات المتحدة هي أفضل صديق لإسرائيل؛ فهي توفر لها الدعم السياسي والمالي والعسكري، ويمكن بتصويت واحد للولايات المتحدة (أو الامتناع عن التصويت في مجلس الأمن الدولي) أن يضع نهاية سريعة لغطرسة دولة تعمل في كثير من الأحيان كما لو كانت غير ملزمة بالقواعد التي تلزم الأطراف الدولية الأخرى. وينبغي على الأميركيين أن يكونوا بارعين في الضغط على إسرائيل، وقد يكون الإسرائيليون أكثر استعدادا للرد على ضغوط غير معلنة من محاولات يتم التصريح عنها علناً.
قال أحد مراقبي العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل ذات مرة أنه لكي تكون أميركا مؤثرة، يجب عليها الضغط على إسرائيل باستخدام أيادٍ خفية، وبعبارة أخرى، يجب أن يكون الضغط قوياً بما يكفي ليسبب الألم لكن يجب أن يكون أيضاً غير مرئي بما فيه الكفاية ليكون من الصعب تحديد مصدره المباشر. وعلى سبيل المثال، يمكن تأخير تسليم قطع الغيار الأميركية الصنع للمقاتلات من طراز اف 16 الهامة بشكل يثير الشك، وعندما يسأل الإسرائيليون عنها، يمكن أن يدعي الأميركيون ببساطة أن التأخير بيروقراطي، وسيفهم الإسرائيليون الرسالة دون أن يُنظر إليه بالضرورة على أنه ضغط علني.
إن السبب في أن الولايات المتحدة ستحتاج لأن تلعب هذه اللعبة هو، بطبيعة الحال، أمر وطني؛ والتعامل مع إسرائيل ليس مجرد قضية من قضايا السياسة الخارجية فحسب، بل هو قضية وطنية كذلك.
عندما طلبت الولايات المتحدة من إسرائيل قبل عشرة أشهر تجميد الاستيطان لمدة عام، وافق نتنياهو على تجميد مدته عشرة أشهر، مع العلم أيضا أنه عندما ينتهي العمل به في شهر أيلول ستكون إدارة أوباما ضعيفة خصوصاً مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي، لاستيعاب إسرائيل، وبالتالي، اليهود الأميركيين والناخبين الصهاينة المسيحيين.
وقد توضحت هذه الحقيقة بعد وقت قصير من قرار إسرائيل بعدم تمديد تجميد الاستيطان، وتم تسليم رسالة من الحزبين في الكونغرس إلى البيت الأبيض، يطالبون فيها أميركا أن تطلب من الفلسطينيين مواصلة المحادثات المباشرة على الرغم من القرار الإسرائيلي، ولم يتم بذل أية محاولة في الرسالة الإيحائية (وربما المكتوبة) للوبي الأميركي المؤيد لإسرائيل "إيباك" للتعامل مع الحقيقة أن نداء رئيس الولايات المتحدة العلني قد رفضه الإسرائيليون.
بينما يرتبط ضعف أميركا الحالي بانتخابات التجديد النصفي المقبلة للكونغرس، فإن أعضاء آخرين في المجتمع الدولي ليسوا ضعفاء إلى هذا الحد، وعلاج الغطرسة الإسرائيلية ورفضها للإرادة الدولية يجب أن يكون قوياً وفورياً لا لبس فيه.
على الأوروبيين والأمم المتحدة أن يبدأوا بتخفيض ظهورهم العلني مع إسرائيل، فلا حاجة للندن أو باريس أو الأمم المتحدة، ولفترة من الوقت، أن يجتمعوا مع مسؤولين إسرائيليين ويصافحونهم، ففترة من التهدئة يمكنها إرسال رسالة صحيحة بأن بعض التصرفات لها عواقب.
إن أسوأ طريقة للتعامل مع عرقلة إسرائيل للعمل هي أن تكافئها.
تقول تقارير صحفية إن إدارة اوباما تحاول تحلية الفطيرة لتشجيع نتنياهو على تمديد التجميد، وهذا هو السبيل لإدامة وإطالة تذمر الإسرائيليين، فأنت لا تستطيع ولا يمكنك مكافأة انتهاكات القانون الدولي والإرادة الدولية. بل يجب استخدام الضغط المالي لعلاج هذه المشكلة. وعلى الشعب الإسرائيلي الذي يتمتع بمستوى معيشي مرتفع أن يفهم بأن تصرفات حكومتهم ضد المجتمع الدولي ستؤدي إلى تقهقر مستوى معيشتهم.
فعندما سئل الإسرائيليون لماذا يعاقبون مليون ونصف فلسطيني في قطاع غزة، كانت هناك إجابة واحدة غالبا ما تتكرر وهي أن هذه هي النتيجة لانتخاب الفلسطينيين لحماس، وكذلك، ويجب أن يشعر الإسرائيليون بنفس النتيجة لانتخابهم حكومة المستوطنين اليمينيين التي ترفض قبول الحد الأدنى لمطالب العالم في ما يتعلق بالمستوطنات غير القانونية.
لا يمكن لإسرائيل أن تحصد منافع الاتجاهين، كذلك هو الحال عند التعامل مع الطفل المدلل، فالمطلوب في كثير من الأحيان هو حب صارم في مرحلة مبكرة وذلك لتجنب المزيد من المعاناة على المدى البعيد.
لقد سمح المجتمع الدولي لإسرائيل أن تستمر في الاحتلال والقتل لفترة طويلة جداً، وكان الإسرائيليون لفترة من الوقت قادرين على التهرب من عواقب أفعالهم بإلقاء اللوم على الفلسطينيين.،ولكن هذه المرة، أغلق الفلسطينيون جميع الثغرات والحزب الذي يعرقل محادثات السلام أصبح معروفاً، وكلما عجّل المجتمع الدولي في جعل الطرف المذنب يدفع الثمن كلما أسرعنا في الاستفادة أجمعين.