كيري يُسوّق للحل الاقتصادي

كيري يُسوّق للحل الاقتصادي
الرابط المختصر

في ظل ظروف عربية وإقليمية تسودها حالات من التوتر والانقسام شعبيا ورسميا، ومع احتدام الصراع في الأزمة السورية بين أطراف عربية واقليمية ودولية، ومحاولات الإمبريالية الأمريكية بالتنسيق والتعاون المشترك مع الكيان الصهيوني لاقتناص الفرص لإحداث تغييرات دراماتيكية في الوطن العربي، جاءت تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في المنتدى الاقتصادي العالمي، بالاعلان عن خطة اقتصادية بقيمة أربعة مليارات دولار لتوسيع الاستثمارات في الاقتصاد الفلسطيني خلال ثلاث سنوات، وقد أوضح كيري ان هذه الخطة "التحويلية" يمكن أن تخفض البطالة بشكل كبير وترفع معدلات الأجور 40 %.
ومن المعروف أن الاقتصاد الفلسطيني يعاني من ضعف شديد بسبب القيود المفروضة عليه من الاحتلال الصهيوني، الناجمة عن بروتوكول باريس المنبثق عن اتفاقية أوسلو، الذي كبل الاقتصاد الفلسطيني واخضعه لتبعية الكيان الصهيوني، فهو يعاني من تشوهات هيكلية ناجمة عن طبيعة ارتباطه بالكيان الصهيوني، فقد تراجع القطاع الزراعي، ويعاني الاستثمار من مضايقات تحول دون اقامة صناعات فلسطينية متطورة تنافس الصناعات الإسرائيلية، وارغام القطاع الصناعي الفلسطيني على استخدام الخامات الإسرائيلية أو المستوردة عن طريق المعابر الإسرائيلية. الأمر الذي أدى الى ارتفاع معدلات البطالة في الأراضي الفلسطينية، التي تعتبر الأعلى في المنطقة حيث وصلت نسبتها حوالي 24%.
لم يأت العرض الأميركي بدوافع انسانية لمساعدة الفلسطينين بسبب صحوة ضمير، أو مجرد مشروع استثماري لصالح الاحتكارات الأمريكية، بل جزء من مشروع عرف "بالحل الاقتصادي" للقضية الفلسطينية، بابقاء قوات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، واقامة "دولة" فلسطينية بحدود مؤقتة، لا تتمتع بالسيادة الوطنية على الأرض، مع ابقاء الجدار، واستمرار الهجمة الاستيطانية الشرسة التي ابتلعت 40 % من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، ويستهدف الحل الاقتصادي توفير الحد الأدنى من احتياجات السكان الاستهلاكية، منعا للاحتقانات وقيام ثورة الجياع على غرار الثورات الشعبية في الوطن العربي، فهي جزء من وصفة البنك الدولي لاحتواء الحركات الاحتجاجية.
ما طرحه كيري في المنتدى الاقتصادي العالمي ليس معزولا عما يُجرى في الوطن العربي – سورية والعراق ولبنان والأردن وفلسطين- بل هو جزء من مشروع امبريالي – صهيوني يستهدف المنطقة بأكملها ويُجرى تنفيذه على مراحل، بالأمس القريب مورست الضغوطات السياسية والمالية على السلطة الفلسطينية لمنعها من التوجه الى الأمم المتحدة للمطالبة بالاعتراف في الدولة الفلسطينية. أما اليوم يعلن كيري عن رغبة أميركا في انقاذ الاقتصاد الفلسطيني، وحل مشكلة البطالة، وزيادة دخل المواطنين، وعلى مسمع شيمون بيريز الموجود في المنتدى الاقتصادي العالمي، لم يفت كيري تأكيد ان اقتراحه هذا يعتمد على التقدم في عملية السلام بين الفلسطينيين و"إسرائيل".
تحاول أميركا ممارسة سياسة العصا والجزرة. فقد وصف كيري الخطوة الأمريكية واحدة من أسس بناء السلام الدائم "لأن الوقت حان لإرساء نموذج جديد للتنمية... فقد اقحم المنتدى الاقتصادي بقضايا تمس المصالح الوطنية للشعب الفلسطيني، بتمرير السياسات الاسرائيلية حول اعادة المفاوضات في ظل الاستيطان لجرجرة السلطة الفلسطينية الى مفاوضات عبثية تمهد الطريق لحل في اطار المشروع الامبريالي – الصهيوني واقامة " الشرق الأوسط الجديد " بعد اعادة صياغة خارطة المنطقة من جديد وفق المصالح الامبريالية الصهيونية، معتمدة على تأجيج الصراعات الطائفية والمذهبية، التي اشعلتها في الوطن العربي ونشر ثقافة الحقد والكراهية بين أبناء المجتمع.
تأتي هذه السياسات في ظل تضاؤل فرص الوصول إلى تسوية سياسية للأزمة السورية رغم الاتفاق المبدئي بين روسيا وأمريكا على عقد مؤتمر جنيف 2 بتشكيل حكومة انتقالية تخرج البلاد من الصراع العسكري، وتمهد لانتخابات ديمقراطية. فالنتائج العسكرية التي حسمت واحدة من أبرز المعارك بين الحكومة والجيش الحر في القصير، لا تشجع الامريكيين على عقد المؤتمر قبل محاولة احداث تغيير جديد في موازين القوى على الأرض. فالهدف النهائي اخضاع سورية للشروط الأمريكية، وليس انهاء الصراع على طاولة المفاوضات، وانهاء الصراع العربي – الاسرائليي، وتصفية القضية الفلسطينية، والغاء حق العودة.

العرب اليوم

أضف تعليقك