"كلنا جاج مسحب"

 "كلنا جاج مسحب"

يرضى ام لم يرضَ، عمالقة طب القلب في الاردن، بدءا من الجراح الاول الذي غزا اول قلب بعملية فتح صدر داود حنانيا، والاوائل يوسف القسوس وحران زريقات، واستمرارا بالبارعين بسام العكشة ويوسف سمارة، والطبيب الفنان ابراهيم ابو العطا، فإن السبب الاول في إغلاق شرايين صدر الرجال، هو القهر، ولن تنفع معه كل الشبكات الحديثة، ان كانت اوروبية او صينية.

فالقهر، يولّد الحقد، وينزع الانتماء، والمصيبة أن لا احد بات يفكر بجدية في تعزيز الانتماء، وأن المواطنة ليست مكان ولادة، ولا البحث عن الاصول والمنابت، ولا جنسية ورقما وطنيا، ولا أبوين عثمانيين، وإنما شعور مرهف بأن حقوقك مصانة، وأنك وغيرك امام القانون سواسية كأسنان المشط، ولا احد يستلب حقك ؛ لأنك من خارج العلبة، ومناطق التغطية، ومن خارج دوائر النفوذ والاستزلام، ولست من الذين يقفون في منتصف الصحراء تنادي "عليهم عليهم....".

اذا كنت من المنادين بدولة القانون والمؤسسات، والداعمين لفكرة العدالة للجميع، ولا ترضى بعقلية الخاوات ولا الكفيل، فإنك مهدد، ليس بأكل حقك، مرة ومرات، بل لا تستطيع أن تقاوم قوى الشد العكسي، المؤسساتي، والاشخاص، وتصل الى مرحلة القهر والحقد "عينك..عينك...".

اذا كنت من المدافعين عن استقلالية رأيك، وامتلكت الشجاعة يوما لتقول ما تقتنع بأنه الصواب، وتطالب بالاصلاح على طريقتك الخاصة، ولم تكن من اصحاب الجاه، والظهور المحمية، فإنك سوف تدفع الثمن، مثنى وثلاث ورباع، وبعد ذلك يحدثونك عن محاربة الفساد، ودعم استقلال القضاء!.

يا صديقي الذي ترك البلاد قبل سنوات مقهورا، وتشجعني على الالتحاق بك، اريد ان اذكرك بحواراتنا السابقة عندما كنت تقول لي "إن الايقونات التي جيّرت من اجل مصالحها القوانين الاقتصادية لا يجب ان تبقى مقدّسة ومستبعدة عن المحاسبة، واضيف لك الان أن العدالة تقتضي الشمول والتعميم وعدم انتقاء الشخصيات الأقل كلفة ـ عشائرياً واجتماعياً ـ، بحيث تكون مسطرة المحاسبة واحدة، ولا تفرق بين احد.

اذكرك يا صديقي بأننا اتفقنا يوما على أن النجاح لن يكتب لمكافحة الفساد إلا إذا كانت مع الدعم السياسي الجدي، ولابد أن تكون جهود مكافحة الفساد، بعيدة عن التشهير والتسقيط والتسييس.

لتعترف الان معي يا صديقي بأن المواطنين هم حجر الزاوية في نجاح خطط ومشاريع مكافحة الفساد، فلابد من تثقيفهم لإدراك التداعيات والانهيارات الخطرة والكبيرة العامة والفردية المترتبة على الفساد، وتعارض الفساد مع الأخلاق والفضائل والقيم والمبادئ الوطنية والإنسانية، والإيجابيات التي تترتب على النزاهة، وعلى عدم المساهمة في الفساد.

لتعترف معي أكثر بأن المأزق الكبير لجهود مكافحة الفساد يتمثل في دفع جهود المكافحة باتجاه حصرها في التشهير بحالات فساد محدودة، علاوة على الوقوع في فخ التسييس وتسوية الحسابات لإسقاط هذا وترفيع ذاك.

اذكرك يا صديقي بمصطلح نحته ذات يوم، بإبداع سياسي مدهش، الرفيق السابق والنائب السابق والوزير السابق بسام حدادين، عندما وصف حالة حكومة طاهر المصري في العام 1991 عندما تحالفت ضدها كل القوى المحافظة والرجعية لإسقاطها برلمانيا، يومها قال حدادين إن المصري مثل "الدجاج المسحب" بلا عظم، وليس لحكومته سند او ظهر.

يا صديقي، أريد ان تبقى دعوتك مفتوحة، لأنني فعلا في قمة القهر...

يا صديقي، "كلنا جاج مسحب".

العرب اليوم

أضف تعليقك