كذبة اسمها الوازع الديني

كذبة اسمها الوازع الديني
الرابط المختصر

يخون باحثون مجتمعهم حين يعزون مشاكله لضعف الوازع الديني، مسارعين إلى التخلي عن معرفةٍ درسوها ونالوا عنها شهاداتهم، وهم يتهربون من مواجهة الحقائق التي ولّدت أزمة ما، ويبررون خرق القانون وإيذاء البشر باعتبارهما مخالفة فردية يزول تأثيرها بمجرد "عودة" المرء إلى دينه.

ما معنى "وازع ديني" ودلالته، ومن يستطيع أن يحدد مستواه لدى المواطنين، وكيف يمكن تقويته وفق ما يتمنى البعض؟ بالعودة إلى المعجم فهذه المفردة تعني المانع والرادع، وهي حتماً تفتقر إلى أي دلالة في حال ربطها بالدين، في مجتمعات عربية تتفوق –مقارنة بغيرها من المجتمعات- بارتفاع نسبة التعليم الديني، وتنفرد بهذا الكم من الفضائيات الدينية وأعداد الدعاة العصريين والتقليديين وبألوان وأشكالٍ لا تعدّ ولا تحصى، ورغم ذلك كلّه فإنها تعاني "ضعفاً" في وازعها الديني!

وعلى المزايدين من المشايخ الرجوع إلى الإحصائيات العالمية، التي تتصدرها السعودية ومصر بنسب التحرش الجنسي، بينما تنخفض في دول –تشتهر بنسب إلحادها- مثل هولندا والسويد، علماً بأن أغلبية الدول العربية لا تقدم صورة واقعية؛ أرقاماً ونسباً، عن حالات العنف الأسري والاغتصاب وزواج القاصرات وغيرها.

تنطوي مقولة ضعف الوازع الديني أو غيابه على مفارقتين أساسيتين؛ الأولى تتعلق بنكران الواقع وإخفاقنا في مناقشة العوامل المسببة لأزماتنا الاجتماعية، والثانية بافتراض الدين والأخلاق مفهومين متطابقين، بينما علينا مصارحة الذات بالقول إن الدين معتقد جرى توارثه جينياً بينما الأخلاق عابرة للأديان والثقافات، ويحددها وعي الفرد بالحرية لا نظام العقاب والثواب.

"انفصام" لا تجده في ثقافات عديدة تنظر إلى واقعها بصورة علمية، وتواجه مشاكلها بإحالتها إلى باحثين ودارسين كلٌ في مجاله، وهو ما فعلته دول إسلامية تشهد اقتصادياتها نمواً عالياً ومنها ماليزيا؛ إذ وضعت خططاً تنموية لتطوير التعليم والصحة وقطاعات أخرى، ولم تهدر طاقات وأوقات شعوبها بالبحث عن دوافع غيبية لا يستفيد من وجودها إلا من يريد إبقاءها، فلا يُحاسب على أخطائه وفساده.

من المعيب أن تجد أستاذ علم الاجتماع، في إحدى الجامعات الأردنية، يردد أن ضعف الوازع الديني السبب الأول والأبرز لتأخر سن الزواج، والانتحار، والتحرش، والعنف الأسري، والعصبية في رمضان، وجرائم القتل والاعتداء الجنسي، وأكثر من مائة قضية يجري سؤاله حولها في وسائل إعلام تتجاوز أبسط قواعد المهنة، وتجامل كل المرجعيات باستثناء العقل.

"تجهيل" يمارسه هذا الأكاديمي - وأمثاله كثر - عبر استقالته من عقله البحثي وإقصائه المتعمد لمناهج العلم فقط لأنه لم يستطع أن يراكم بحثاً أصيلاً واحداً طوال سنوات خدمته الطويلة التي قضاها بتلقين طلبته ورهْنهم بالأساطير والخرافات، وتصوير كل خللٍ وتجاوزٍ بأنه "معصية" طارئة على ثقافتنا ومجتمعنا، رغم أن نظرة واحدة إلى التاريخ تثبت أنه يستحيل غياب "المعاصي"، إنما تجد سيادة القانون في زمنٍ وتراجعها في حقبة لاحقة.

عدم الوصول إلى أسباب فشلنا يسمى عجزاً، وإحالته – اعتباطاً- لابتعادنا عن الإسلام يعدّ عمى، واعتبار الدين مساوياً ومماثلاً للأخلاق خلطٌ معرفي وإدعاء تدحضه تجارب شعوب تحكمها تشريعات ومنظومة رقابة لا كذبة اسمها "الوازع الديني".

 

محمود منير: كاتب وصحافي. محرر “تكوين” في عمان نت.

 

 

أضف تعليقك