قوى الشد العكسي من ربع الفساد السياسي والمالي

قوى الشد العكسي من ربع الفساد السياسي والمالي
الرابط المختصر

انتشر في وطننا اصطلاح قوى الشد العكسي, وكان في الماضي محل استخدام من طائفة من السياسيين الذين استمرأوا الامتيازات والمناصب والمنافع, وطال جلوسهم على كراسي المسؤولية, وكانوا يستعملون هذا الاصطلاح ضد كل من خالفهم وانتقدهم من المنادين بالإصلاح, ووظفوا لهذه الغاية أقلام المتكسبين أو المتسولين بالكلمة المكتوبة, وفي بعض الأحيان بالكلمة المرئية والمسموعة. وقد برع أصحاب الأقلام المستخدمة للتسول, في إطلاق نعوت أخرى على المنادين بالإصلاح مثل, المعارضة الخشبية, أصحاب الأجندات الخاصة, أو المعانين من بطالة سياسية, التابعين لجهات أجنبية, أو غير ذلك من الأوصاف. وطفا على سطح الحياة السياسية في الأردن, بلطجة تستخدم الكلمة, قبل أن يتطور الحال ليصاحب استخدام الكلمة استخدام السكاكين والخناجر والعصي والسيوف.

ومنذ أن أكد جلالة الملك على ضرورة الإصلاح ومحاربة الفساد وإشراك الناس في القرار الذي يحكمهم, واستخدم وصف قوى الشد العكسي على الذي يقفون في وجه الإصلاح ويشكلون عائقاً له, تغير الحال, وأصبحت فئة السياسيين المتشبّثة بمواقعها مع تابعيهم من الأقلام المتسولة, محل إدانة شعبية. والسبب هو سلوكيات هذه الفئة التي لا تفسير لمواقفها سوى انتمائها للماضي ومعاداتها لما ينبغي أن يكون, حتى لا تفقد امتيازاتها ومنافعها ومواقعها. ورغم انكشاف من يدخلون في هذه الفئة, فقد أخذوا بتغيير جلودهم, علّهم بالمظهر الجديد, يقفزون لامتطاء صهوة جواد الإصلاح, وتوجيهه حيث يريدون, استصحاباً لتجارب سابقة نجحوا فيها, عندما غيروا أثوابهم كعرّابين للمرحلية العرفية, فارتدوا أثواباً جديدة ليتولوا قيادة المرحلة الديمقراطية على طريقتهم. وفاتهم أن زمن الأمس ووسائله ما عادت تصلح لزمن اليوم, بعد أن كسر الشعب حاجز الخوف, وأصبحت علاقة أبناء الشعب مباشرة مع رأس الدولة, وغدت تقاريرهم غير ذي جدوى ووساطتهم غير مطلوبة.

ومن يتابع ما يجري في واقعنا السياسي والاجتماعي,يجد أن القيادة تسبق حكوماتها وأجهزتها في استقراء مكنونات الشعب, رغم ظاهرة صمته الذي كان يمكن أن يحمل على الرضا والقبول, واكتشاف أن سكوت الناس كان بفعل فاعل.

وإذا كان بمقدور هذا الشعب الطيب معرفة مكونات قوى الشد العكسي التي انكشف سترها, من أهل الفساد السياسي والمالي, فقد خطر ببالي أن أذكر بعض فئات من هذه القوى, على النحو التالي:

إن الذين انبروا لإعطاء نصوص الدستور الأردني مدلولات وهم بعلم القانون الدستوري يجهلون, يشكلون مجموعة متجانسة من قوى الشد العكسي, لأن المدلولات التي يقولون بها فصّلوها بعناية, فلعلهم يحصلون بموجبها على الرضا الذي يعتقدون أنه يمكّنهم من إبقاء القديم على قدمه, وبالتالي استمرار حصولهم على الأعطيات والمنافع والامتيازات.

والذين كانوا يقاومون الإصلاح الدستوري ثم ركبوا موجة الإصلاح بعد أن فرضت نفسها, ليسوا مؤهلين معرفياً أو سلوكياً للإصلاح المطلوب, وسوف يتسابقون على تذكير المسؤول بمؤهلاتهم المعهودة في النفاق الذي امتد ليشمل النفاق الدستوري, فشكلوا رتلاً من أرتال قوى الشد العكسي.

والذين اقتصر تأهيلهم في الخدمة العامة على ممارسة السلطان المطلق, واختلاق أشباح من الأعداء على نحوٍ متواصل, وامتلأت سجلات التقارير التي يكتبونها بادعاءات الانتصار على تلك الأشباح المختلقة, لم يعد لهم نفع في مرحلة الإصلاح والإعلاء من شأن الحريات, مهما تعالت أصواتهم وتباكيهم من الخوف على النظام السياسي وعلى الوطن, لأن دافعهم هو الاحتفاظ بما يملكون من سلطات سماوية لا يتقنون غيرها, وهم الآن رتل من أرتال قوى الشد العكسي.

والذين احترفوا تزوير الانتخابات, رؤساء ومرؤوسين, حتى أصبح التزوير مهنة لهم وحرفة, وجزءاً لا يتجزأ من منظومة القيم المدانة اجتماعياً وقانونياً لديهم, هم في مرحلة الإصلاح حمولة زائدة لاندثار مهنتها في البيئة السياسية الصالحة, وبالتالي تشكل رتلاً من أرتال قوى الشد العكسي لإبقاء القديم على قدمه.

والذين استمرأوا سرقة سلطة الحكومات والبرلمانات, وتغولوا على القضاء, فكانوا يُعِزّون بالمناصب والمنافع من يشاءون, وبلقمة العيش لغير المطواعين يحاربون, لم يعودوا صالحين للمرحلة الجديدة التي تحدث عنها جلالة الملك, ولا بد من التنبيه إلى وسائلهم وأساليبهم لإبقاء ما كان على ما كان, كرتل في قوى الشد العكسي.

والذين احترفوا نوعاً من المحاماة يقوم على استغلال الكرسي والوساطة عند المسؤول, واستمرأوا الدخل العالي من صاحب الحاجة إلى وساطتهم وليس إلى معرفتهم القانونية التي يعلم أنهم بريئون منها, وتيمناً تكاثر الوافدون إلى المهنة ممن اشتروا شهادات القانون من الجامعات التجارية ليلتحقوا بمدرسة من سبقهم من المتكسبين باسم المهنة, نقول إن هؤلاء يكفرون بالإصلاح, لأنه يكشف فسادهم وإفسادهم وجهلهم بالقانون الذي يشكل غطاءهم, فأصبحوا رتلاً مضافاً إلى قوى الشد العكسي.

وهناك من قبلوا على أنفسهم من الوزراء ورؤساء الوزارات أن يصبحوا أحجاراً على رقعة شطرنج يحركها جهاز السلطة الخفية من أجل أن يمارس على الناس سلطات سماوية, وتنازلوا طائعين أو خائفين عن سلطات الحكومة الدستورية لمن لا حق له بها, فهؤلاء قد انتهكوا حرمة الدستور وحنثوا بقسمهم للحفاظ على هذا الدستور, فثبت على وجه اليقين خيانتهم لما ائتمنوا عليه, فأصبحوا محل إدانة جزائية شعبية, وليس من حقهم بعد ذلك اعتلاء كراسي مسؤولية أو عضوية لجان أو هيئات, فإن تقلدوها نكون أمام أخطر قوى الشد العكسي.

والذين احترفوا التسول بالكلمة المكتوبة أو المسموعة أو المرئية, لتبرير خطايا المسؤول أو تلميعه أو إغوائه, بأجرٍ مدفوع من مال خزينة الشعب, سوف يفقدهم الإصلاح مكاسب ومغانم يعتاشون عليها, وإذا لم تكن الأيام قد كشفت, فإنها سوف تكشف ولاءهم الثعلبي, وأن كل واحد منهم ما حفي في طريق الوصول الى موقع عند صاحب سرج, إلا لأنه لم يستطع أن يكون أحد المنظرين لسلطان دولة تدفع أكثر, وبالتالي فإن مثل هؤلاء المتسولين بالكلمة سينضمون إلى قوى الشد العكسي.

والذين انتفخت جيوبهم, وتراكمت في البنوك أرصدتهم, عن طريق مصادر غير مشروعة تنبع جميعها من خزينة الشعب الأردني, لن يقبلوا بالإصلاح الذي يسد في وجههم أبواب نهب المال العام أو استرداده منهم, وسوف يشكلون أخطر أرتال الشد العكسي. وأصحاب الكسب غير المشروع هؤلاء, يكاد الشعب الأردني يُسميهم واحداً واحداً:

ومن هؤلاء من زاوج بين الوزارة والتجارة على مرأى ومسمع من الجميع, فسخر سلطة الكرسي وعلاقاته من أجل تسمين ملايينه لتصبح مليارات.

ومنهم من دخل العمل العام بمؤهل جامعي أو مدرسي, ولا يلوي هو وأسرته على شيء, وتدرج في الوظيفة ليصبح مسؤولاً عن مشتريات للدولة, أو عن توقيع اتفاقيات باسم الدولة, أو عضواً في مجالس وهيئات لأسرارها قيمة كبرى عند استثمارها, أو صاحب قرار يتخفى وراء تسخير مرؤوسيه لتنسيب ما يريد لإصداره وتحميلهم المسؤولية إن جاء وقت الحساب, أو صاحب كرسي مرموق قبل على نفسه أن يكون أجيراً يسخر كرسيه لخدمة جاهل أو خبيث أو لص صاحب ملايين في مقابل أجر دوري. ومثل هؤلاء عندما تركوا الخدمة, أصبحت لهم بيوت وقصور, لو باعوا أراضي عشائرهم كافة بل وأراضي قراهم, لما أوفت بثمن تلك البيوت والقصور, وفوق ذلك أصبحت لهم شركات ومشاريع ومساهمات وعقارات قيمتها بالملايين, وبعضهم تصل أرقام ملايينهم الآن إلى المئات, إن لم تكن آلافاً .

ومنهم من اشتغل بالعمولة كسمسار يحصل على نسبة من الصفقة بين صاحب سلطة في الدولة, وبين مستثمر صاحب مال يشتري أو يستأجر من الخزينة ما كان ولا يزال يعرضه الشطار للبيع أو الإيجار, فتستفيد الأطراف الثلاثة من الصفقة, المستثمر وصاحب السلطة والسمسار, وليذهب بعد ذلك حق الخزينة ومال الشعب إلى الجحيم!! ومن يتفحص أسعار بيع ما كان للخزينة, ويقارنه بثمن المثل أو حتى بالتكلفة, سيجد تفسيراً لانخفاض محصلة البيع إلى أسفل سافلين. بل من يتفحص الاتفاقيات لتأجير عقارات الخزينة بقروش معدودة للدونم الواحد, ومعها استخدام مياه الأردنيين لريّ هذه العقارات من أجل أن تنتج فواكه وخضراوات تُصدّر إلى أوروبا لتستقر أثمانها بالعملة الصعبة في الحسابات الخارجية للمستثمر, في حين أن نفقات التشغيل تغطى من حساب الجاري مدين في البنوك الأردنية, نقول, إن من يتفحص ذلك سوف يعرف الكيفية التي يجري فيها النهب المنظم لحقوق الأردنيين باسم الاستثمار من قبل هذه الفئة من قوى الشد العكسي التي تقاوم الإصلاح.

أما اتفاقيات استغلال ما تحت أرض الخزينة عندنا, فيكفي أن نعلم أنه رغم أن محل هذه الاتفاقيات أرض أردنية, وأن الدولة الأردنية دولة ذات سيادة, ويحكمها نظام قانوني للاتفاقيات والعقود, وبها قضاء يشكل السلطة الثالثة في الدولة, إلا أن تلك الاتفاقيات التي تنازلت عن الكثير من حقوق الخزينة, تحتوي على نصوص تجعل القانون الإنجليزي أو الأمريكي هو الذي يطبق عليها, وأن الخلاف بشأنها يحال إلى تحكيم سموه التحكيم الدولي, وأن مكان التحكيم هو لندن أو نيويورك أو باريس, واستفاد صاحب الموافقة على الاتفاقيات كما أفاد. وبالنظر إلى أن حكم المحكمين يصدر بالأغلبية عندما لا يتوافر الإجماع, وكانت أغلبية المحكمين دائماً من الأجانب, فإني أسأل كم من قضايا التحكيم الدولية هذه ربحت الأردن, رغم أننا دفعنا لنفقاتها وأتعاب المحامين فيها الملايين!! .

وبعد,

إن من تحدثت عنهم من أرتال قوى الشد العكسي, سوف يقاومون الإصلاح, ما دام سيؤدي إلى فرض حكم الدستور والقانون, وسيادة مبدأ النزاهة والشفافية في أداء السلطات كافة. واعتقد أن هذه القوى تعيش الآن في حالة استنفار, لأنها تخوض معركتها المصيرية, وأظن أنه من خلال ما تقدمه من تقارير مكثفة الآن, ستؤكد أن استبعادها أو عدم الأخذ برأيها, سوف يشكل خطراً على الدولة وعلى النظام, فلعل المسؤول يقتنع بانتصاراتها على أشباح الأعداء الذين كانت ولا تزال تختلقهم, وأنه لولاها ما كان هناك وطن ولا استقرار, ولا نزل المطر ولا اخضرّت الأشجار, ولا طلعت شمس ولا صار هناك أنهار!! .

وأتساءل: هل يمكن أن تنجح قوى الشد العكسي في مساعيها? لست أدري, لكني حزين لأن أهل الفساد السياسي من قوى الشد العكسي لم تفتح لهم القوانين أبواب نصوصها بعد لمحاسبتهم, في حين أن أهل الفساد المالي قد ينجحون في سدّ أبواب النصوص المفتوحة للحساب!!

أضف تعليقك