قراءة ما حدث بهدوء
قرار تعديل الدعم ببعده المعيشي، وما تبعه من احتجاجات متنوعة غير معروف اتجاه سيرها المستقبلي بعد، يجب أن يقرأ ضمن إطار الاعتراض من قبل فئات من المجتمع على قرار غير شعبي، سيؤثر بطريقة أو أخرى على جيب المواطن.
ولا يجوز، ومن غير الموضوعي على الإطلاق قراءة ما حدث على أنه لحظة مفصلية سياسيا، قد تُدخل الأردن في دوامة العنف التي تؤدي إلى زعزعة الدولة.
المشاهدة الوحيدة، من بين العديد من الأحداث التي تدعم رأي من يقولون إنها لحظة تغييرية حاسمة، هو ارتفاع سقف الشعارات. وهذا أمر ثمة إجماع كبير على أنه طارئ ومرفوض، حتى من قبل المعارضة المنظمة التي، وعن حكمة، نأت بنفسها عنه، ناهيك عن غالبية التحليلات التي خلصت إلى أن من هتفوا بشعار مرتفع إنما أرادوا فقط أن ينبهوا إلى تعاظم درجة غضبهم مما يحدث من قرارات.
وثمة إجماع أيضا على أن الدولة التي يحب البعض عن غير حكمة تسميتها بالنظام، ليست السلطة السياسية العليا، بقدر ما هي كل أركان الدولة، من سلطة ومؤسسات ومجتمع وإرث وإنجازات، أما جلالة الملك، بحسب الدستور وإجراءات العمل السياسي في الأردن، فهو مظلة للجميع، وموجه استراتيجي للدولة، وصمام أمانها ووحدتها.الحراك الأردني كان وما يزال يريد إعادة توزيع موازين القوى السياسية.
وهذا أمر تقوم به المجتمعات في لحظاتها التاريخية، بناء على تطورها ونمائها، ما يجب أن يعتبر طموحا سياسيا مشروعا.
والميزة الأردنية في هذا الصدد تتمثل في قبول الجميع، بمن فيهم الدولة، بضرورات توزيع جديد لموازين القوى، وإعطاء دور أكبر وأكثر تأثيرا للناخب والمواطن في صناعة القرار، لكن مع الاحتفاظ بمكونات الدولة كافة، وإرثها وإنجازاتها وثوابتها.
بعض مما حدث في الأيام الماضية شبيه ببدايات الحراك الأردني الذي، وللتذكير، بدأ قبل الربيع العربي، من خلال محاولة البعض استغلال آلام المجتمع الاقتصادية لتحقيق مكاسب سياسية، وهو ما لم ينجح في الماضي ولن ينجح الآن. فيما يبدو، فإن اللحظة الاقتصادية الصعبة التي نمر بها ستمر بدون أن تستفيد منها القوى السياسية التي كان يمكن أن تستثمرها لتسوّق برامجها الاقتصادية المختلفة، وأن تحقق سبقا سياسيا متفاعلا مع المجتمع بدلا من أن تقفز لمطالب سياسية استراتيجية غير مقبولة أردنيا، تسببت في عزلة المعارضة في السابق، وأظهرتها اليوم بمظهر المتعطش للسلطة بدل المدافع عن حقوق فئات المجتمع المستضعفة.
لقد تطورنا سياسيا واقتصاديا بشكل هائل على مدار الأشهر الماضية، وأصبح وعي المواطن وقدرته على فهم حقوقه وواجبات حكومته أهم ما يميز الحالة التنموية الأردنية، والضامن الأكبر لحل مشاكل البلد، وبناء مستقبل مشرق للمجتمع.
وكل هذا يحسب للحراك والدولة اللذين يتفاعلان ضمن منهج متدرج وهادئ، يتفق على أدوات العمل، ويتعارض في السياسات، ما يهيئ الأردن لمستقبل ديمقراطي متزن وواعد، واجبنا جميعا رفده والتصدي لمن يحاول أن يحرفه عن مساره.
الغد