قراءة في مشروع قانون الهيئة المستقلة للانتخابات لسنة

قراءة في مشروع قانون الهيئة المستقلة للانتخابات لسنة
الرابط المختصر

تناقش اللجنة القانونية لمجلس النواب هذه الأيام مشروع قانون الهيئة المستقلة للانتخابات لسنة 2011 وذلك لاستكمال إجراءات إقراره الدستورية من مجلس الأمة والتصديق عليه من الملك ونشره في الجريدة الرسمية. إن النص على إنشاء الهيئة المستقلة للانتخابات قد تضمنتها التعديلات الدستورية الأخيرة على المادة (67) من الدستور التي تحكم عملية انتخاب أعضاء مجلس النواب لتكون إحدى الضمانات الأساسية لنزاهة الانتخابات البرلمانية وشفافيتها. فمن خلال قراءة قانونية متعمقة لأحكام مشروع القانون نبدي الملاحظات التالية التي نتمنى أن يأخذها أعضاء مجلس الأمة بعين الاعتبار عند مناقشتهم أحكام مشروع القانون:

أولا: من حيث التشكيل

لقد نصت المادة (3) من مشروع قانون الهيئة المستقلة للانتخابات لسنة 2011 على أن تتمتع الهيئة المستقلة بشخصية اعتبارية مستقلة, وأن يكون لها استقلال مالي وإداري, والحق في تملك الأموال المنقولة وغير المنقولة والقيام بجميع التصرفات القانونية اللازمة لتحقيق أهدافها ولها حق التقاضي وتوكيل المحامين. إن مثل هذا الاستقلال المالي والإداري للهيئة المستقلة للانتخابات سيمكنها من تحقيق أهدافها في ضمان حسن سير العملية الانتخابية بنزاهة وشفافية وحياد من خلال الإشراف على العملية الانتخابية وإدارتها في كافة مراحلها. كما يكون للهيئة المستقلة للانتخابات موازنة مستقلة خاصة بها يقرها مجلس مفوضي الهيئة, على أن ترفع الى رئيس الوزراء لاتخاذ ما يلزم من إجراءات للموافقة عليها وإدراجها ضمن مشروع قانون موازنات الوحدات الحكومية.

ويتولى إدارة الهيئة المستقلة للانتخابات مجلس مفوضين مؤلف من رئيس وأربعة أعضاء يعينون بإرادة ملكية لمدة ست سنوات قابلة للتجديد, حيث ترفع إلى الملك قائمة بالأسماء المقترحة للتعيين في المجلس التي يتم إعدادها من لجنة برئاسة رئيس الوزراء وعضوية كل من رئيس مجلس الأعيان ورئيس مجلس النواب ورئيس المجلس القضائي.

ان تحديد عدد المفوضين في الهيئة المستقلة بخمسة يثير تساؤلا حول ما إذا كان هذا العدد كافيا لقيام الهيئة بمهمة الإشراف على العملية الانتخابية وإدارتها, في الوقت الذي تتضمن التشريعات المقارنة عددا أكبر من الأشخاص في الهيئات المستقلة للانتخابات.

كما أن آلية تنسيب أسماء مجلس المفوضين إلى الملك تشكل سابقة في النظام القانوني الأردني. فبعد أن كان الحق في التنسيب بشغر المناصب الحكومية العليا حكرا على مجلس الوزراء, أصبح التنسيب بتعيين مفوضي الهيئة المستقلة يتم من قبل لجنة خاصة تضم رؤساء السلطات الثلاث في الأردن; رئيس مجلس الوزراء ورئيسي مجلسي الأعيان والنواب ورئيس المجلس القضائي, وهو ما يضمن عدم تعسف السلطة التنفيذية في اختيار أعضاء الهيئة المستقلة للانتخابات.

ان الزج برئيس السلطة القضائية في آلية اختيار مفوضي اللجنة يؤدي إلى إقحام القضاء في عمل اللجنة بشكل قد يثير شكوكا حول نزاهته وحياديته عند الفصل في القرارات التي تصدر عن الهيئة والطعون الانتخابية بصحة نيابة أعضاء مجلس النواب والتي انتقلت بموجب التعديلات الدستورية الأخيرة إلى محكمة الاستئناف.

إننا نقترح أن يعطى مجلس النواب الحق في التنسيب بتعيين مفوضي الهيئة المستقلة للانتخابات بعد أن يتبلور لدينا برلمان قوي متجانس يمثل كافة الأطياف السياسية والحزبية في المجتمع, ليتمكن من مشاركة السلطة التنفيذية في اختيار القائمين على إدارة المؤسسات الرسمية والحكومية وموظفي المناصب العليا في الدولة.

أما فيما يتعلق بتشكيل اللجنة التي تختار أسماء المفوضين للهيئة, فقد عالج مشروع القانون حالة شغور منصب رئيس مجلس النواب في المادة (6/2) من مشروع القانون, حيث نص على أن يحل محله في اللجنة آخر رئيس لمجلس النواب, وأنه إذا تعذر ذلك يحل محله آخر نائب لرئيس مجلس النواب.

ان مثل هذا الحكم غير ضروري في مشروع القانون, ذلك أن شغور منصب رئيس مجلس النواب لن يكون إلا بناء على حل البرلمان والذي لا يمكن تغييبه لأكثر من أربعة أشهر بموجب التعديلات الدستورية الأخيرة. كما أن هناك احتمالا أن يكون آخر رئيس مجلس النواب ونائبه غير موجودين بسبب الوفاة أو السفر أو العجز الصحي, وهو الأمر الذي سيثير مشاكل في الواقع العملي.

كما أن ما يقلل من أهمية هذه المادة أن مشروع القانون قد عالج حالة شغور منصب رئيس مجلس النواب دون الأعيان الذي يمكن أن يشغر في حالة حل مجلس الأعيان من قبل الملك.

أما فيما يتعلق بمدة العضوية في مجلس المفوضين فقد حددها مشروع القانون بست سنوات قابلة للتجديد, وهو ما يعني أن الهيئة ستكون دائمة وليست مؤقتة بحيث سيتقاضى رئيس الهيئة الراتب والعلاوات المقررة لرئيس محكمة التمييز, في حين سيتقاضى عضو الهيئة الراتب والعلاوات المقررة لنائب رئيس محكمة التمييز.

ان التساؤل الذي يثور في هذا الصدد هو مغزى جعل هذه الهيئة دائمة خاصة وأن دورها سيقتصر فقط على إدارة الانتخابات البرلمانية والإشراف عليها والانتخابات البلدية والتي تجرى كل أربع سنوات, مما يعني أن أعضاء الهيئة سيكون في معظم وقتهم من دون أي عمل أساسي غير مراجعة جداول الناخبين وتدقيقها على ضوء قرارات المحاكم الصادرة وسجلات الدوائر الرسمية والحكومية.

ويجب على المفوضين قبل مباشرة العمل أداء القسم أمام الملك حسب الصيغة الواردة في المادة (9/ج) من مشروع القانون. إننا نقترح في هذا السياق تعديل صيغة اليمين الواردة في مشروع القانون بما يتوافق مع الصيغة الواردة في المادة (80) من الدستور, بحيث يتم توحيد صيغ اليمين في القوانين الأردنية. كما يجب على مشروع القانون حسم الخلاف الذي يثور حول ضرورة إعادة أداء القسم من عدمه في حال تجديد مدة ولاية المفوضين لمدة ست سنوات جديدة, وذلك من خلال النص صراحة على وجوب أداء المفوضين القسم عند تعيينهم لأول مرة وعند تجديد تعيينهم مرة أخرى.

ثانيا: شروط العضوية

لقد حددت المادة (9) من مشروع قانون الهيئة المستقلة للانتخابات شروط العضوية في مجلس مفوضي الهيئة أو من يعين أمينا عاما للهيئة لتشمل:

- أن يكون أردني الجنسية متمتعاً بالأهلية المدنية الكاملة.

- أن لا يحمل جنسية دولة أخرى.

- أن يكون حاصلاً على الشهادة الجامعية الأولى على الأقل.

- أن لا يكون عضواً في مجلس الأمة.

- أن لا يقل عمره عن أربعين سنة.

- أن لا يكون محكوماً بأي عقوبة تأديبية أو جرم لفعل مخل بالأخلاق والآداب العامة أو الشرف أو الأمانة أو بأي جناية مهما كانت ولو ردّ إليه اعتباره أو شمله عفو.

- أن يكون محمود السيرة وحسن السمعة ومشهوداً له بالنزاهة.

- أن يكون من ذوي الكفاءة والدراية.

- أن لا يكون منتسباً لأي حزب سياسي.

ان من خلال استعراض شروط العضوية السابقة نجد أن مشروع القانون لم يميز بين الأردني الأصيل والأردني المتجنس لغايات العضوية في مجلس مفوضي الهيئة. فكل أردني الجنسية متمتع بالأهلية المدنية الكاملة له الحق في التعيين في مجلس مفوضي الهيئة بغض النظر عن عدد السنوات التي مرت على اكتسابه الجنسية الأردنية.

لقد كان الأجدر بمشروع القانون أن يميز بين الأردني الأصيل والأردني المتجنس لغايات العضوية في مجلس مفوضي الهيئة وذلك من خلال اشتراط مرور (10) سنوات على الأقل على اكتسابه الجنسية الأردنية لتعيينه في مجلس مفوضي الهيئة وذلك تطبيقا لأحكام المادة (14) من قانون الجنسية الأردني رقم (6) لسنة .1954

كما لم يشترط مشروع القانون فيمن يعينون مفوضين في الهيئة المستقلة للانتخابات أن يكونوا قانونيين أو على الأقل أن يضم مجلس المفوضين عددا من القانونيين, وهو ما قد يعيق عمل الهيئة وقدرتها على مباشرة مهامها والتي يمتاز جزء كبير منها أنه ذات طابع قانوني. فمن صلاحيات الهيئة المستقلة للانتخابات تدقيق قانونية طلبات الترشح لمجلس النواب والاعتراضات المقدمة على هذه الطلبات بعد قبولها, وتدقيق سجلات الناخبين وتحديثها والبت في الاعتراضات المقدم بشأنها, والموافقة على العقود والاتفاقيات التي تكون الهيئة طرفا فيها, واقتراح مشروعات التشريعات اللازمة لعمل الهيئة, وإبداء الرأي في أي مشروع قانون أو نظام ذي علاقة بأي عملية انتخابية.

ان مثل هذه المهام والصلاحيات تتطلب وجود حد أدنى من القانونيين كأعضاء في الهيئة المستقلة للانتخابات, وهو الأمر الذي لم يشترطه مشروع القانون الجديد.

كما أن شروط العضوية في مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخابات أو من يعين أمينا عاما للهيئة تعد أكثر شدة من شروط العضوية في مجلسي الأعيان والنواب. فقد حظر مشروع القانون على المفوض أو الأمين العام أن يكون محكوماً بأي عقوبة تأديبية أو جرم لفعل مخل بالأخلاق والآداب العامة أو الشرف أو الأمانة أو بأي جناية مهما كانت ولو ردّ إليه اعتباره أو شمله عفو, في حين أن الدستور الأردني قد أجاز في المادة (75) منه لكل من كان محكوما عليه بالسجن مدة تزيد عن سنة واحدة بجريمة غير سياسية الترشح لمجلس النواب أو التعيين في مجلس الأعيان إذا شمله عفو, وكذلك الحال لمن كان محكوما عليه بالإفلاس شريطة أن يسترد اعتباره قانونيا.

كما أن مشروع القانون قد اشترط فيمن يعين مفوضا في الهيئة أن يكون حاصلا على الشهادة الجامعية الأولى على الأقل وأن لا يقل عمره عن أربعين سنة, وهي الشروط التي لم يتضمنها الدستور الأردني في عضو مجلس النواب الذي يكفي أن يكون قد أتم الثلاثين سنة من عمره ودون اشتراط نصاب تعليمي معين.

ومن جهة أخرى فإن أحد شروط العضوية في مجلس مفوضي الهيئة المستقلة بأن يكون العضو من ذوي الكفاءة والدراية هو شرط واسع وفضفاض ويجب إلغاؤه من مشروع القانون, ذلك أنه بمجرد تحديد فئات الأشخاص المؤهلين للعضوية في الهيئة من قضاة سابقين ورجال قانون وأستاذة جامعات, فإن شرط الكفاءة والدارية يعد متحققا حكما. كما أن الحظر بأن لا يكون المفوض أو الأمين العام للهيئة المستقلة عضوا في مجلس الأمة يجب أن يمتد ليشمل الوزراء والقضاة وذلك لتحقق الغاية من استثنائهم من العضوية في الهيئة المستقلة أثناء عملهم الحكومي والقضائي.

* أستاذ القانون الدستوري المساعد في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية

أضف تعليقك