قبل أن نصطدم بالحيط

قبل أن نصطدم بالحيط

إذا كانت الحكومة ممثلة بوزارة العدل لا تستطيع إنهاء اعتصام موظفي المحاكم بالحسنى، استعانت بقوات الدرك التي طوقت قصر العدل، بعد أن سمحت بتعطيل القضاء وأعمال المحاكم أكثر من 20 يوما، فكيف لها أن تحل مشكلة جامعة الحسين التي سقط فيها قتلى وجرحى، ولا تزال عشائرهم ترفض حلول "بوس اللحى" التي خرّبت البلاد، ودمّرت القوانين.
أمس، ومنذ الصباح الباكر طوقت قوات الدرك قصر العدل ومنعت الموظفين المعتصمين والمحامين من الوصول إلى داخل القصر، ولولا عقلانية المحامين لوقع اشتباك واسع داخل قصر العدل، الذي من المفترض أنه المكان الطبيعي للعدل والحقوق.
موظفو المحاكم وصلوا إلى اعلى مراحل المطالبة بحقوقهم ولا يمكن أن يتراجعوا بعد أن امضوا اكثر من 20 يوما في اعتصامهم. ومن يراهن على أن وسائل الضغوط الأمنية والوظيفية على نشطاء الاعتصام سوف تؤدي إلى التراجع هو واهم، ومن يعتقد أن أنصاف الحلول سوف تجدي نفعا مع المعتصمين فإنه لا يمتلك الحكمة، وليس من المجرِّبين في العمل العام، خاصة بعد أن امتلك الموظف قناعة بحقوقه، وبضرورة المطالبة لتحصليها، كما امتلك من الشجاعة بحيث لا يتراجع قبل تحقيق مطالبه.
عقلية الوزراء الموظفين لا تنجح في إيجاد حلول لهذه النزاعات المطلبية، وتحتاج لعقلية الوزير السياسي الذي يلتقط الحل من دون التخندق حول شعار لا نقبل من احد أن يلوي ذراعنا، فحقوق الموظفين مشروعة، ومطالباتهم حقيقية لتحسين ظروف حياتهم، وهذا ما يُجمع عليه المحامون المؤازرون لاعتصام الموظفين.
قضايا كثيرة معلّقة في رقبة الحكومة، وطريقة التفكير فيها لا يمكن أن تنتج حلولا، إضافة إلى حوادث اخرى تقع في عدد من مدننا وقرانا، وجريمة كبرى أن يستمر الصمت على ما يجري، وكأنها حوادث متفرقة لا ينظمها رابط واحد، وهو الاستقواء على القانون، وسهولة التفكير بكسر إرادة الدولة في حماية مواطنيها.
نطالب بالإصلاح الشامل، ونقبل أن يكون بطيئاً وسلحفائياً، لكن لا يمكن أن نقبل أن تكون معالجة القضايا المطلبية والعنف المجتمعي وعنف الجامعات خاصة، أيضاً بطيئة وناعمة وضمن نهج الطبطبة وبوس اللحى ".. وامسحوها بلحيتي هالمرة".
سياسة الطبطبة لا تتعلق فقط بما يحدث من اعتداءات وعنف مجتمعي، بل أيضاً في بعض المشاجرات الاجتماعية، وما زلنا نسمع ونرى أن المحافظ الفلاني تمكن بعد مجهود كبير، وبحضور نواب المنطقة، من جمع وجهاء الطرفين وإجراء مصالحة بينهما.
سياسة الطبطبة تُراكم المشاكل ولا تحلُّها، وتُبقي النار تحت الرماد، وبنسمة هواء خفيفة، أو لحظة غضب من متهور، نكتشف أننا عدنا إلى جاهليتنا الأولى في "عد رجالك ورد الماء" كما تقول أمثالنا الشعبية.
لقد أصبح شعار " إننا دولة مؤسسات وقانون" محل اختبار، ليس من طرف الحكومة وأجهزتها، بل من طرف كل المشاركين في معادلة الدولة، وأية معالجة لأية مشكلة خارج أطر دولة القانون، وعلى رأسها الاحتكام للقانون والقضاء، هي محاولات فعلية لتقويض "دولة المؤسسات والقانون".
أيها العقلاء، كل ما يُجرى يؤشر إلى أننا ذاهبون إلى الفوضى، فهل نترك الأمور إلى أن نصطدم بالحيط، وحينئذٍ لا ينفع الندم؟.

العرب اليوم

أضف تعليقك