قانون إصلاح العملية الانتخابية
من الناحية الجوهرية لم يتغير مبدأ "الصوت الواحد" لكن أُدخل عليه من التغييرات ما يضفي عليه شكلا جديدا. مثل رفع عدد الدوائر الفعلية الى عدد مقاعد النواب واحداث تغيير في عملية الترشح والانتخاب داخل كل دائرة. هذا كله سيدفع المطالبين باستبدال الصوت الواحد بنظام انتخابي آخر الى المحافظة على مواقفهم النقدية من القانون الجديد. لكن ما سمعناه امس من نائب رئيس الوزراء الدكتور رجائي المعشر يعطي الانطباع بان الحكومة مخلصة في تقديم قانون انتخاب بمضامين جديدة على طريق عملية اصلاح متدرجة مع السعي الى هدف واحد في هذه المرحلة وهو اجراء انتخابات حرة ونزيهة استجابة لمطالب الملك وتوجيهاته وبما يضمن افراز مجلس نواب يعكس التمثيل الحقيقي للشعب.
بالنسبة لي, ما زلت في صف المطالبين باحداث تغييرات اكثر جذرية على نظام الانتخابات, وهو ما كتبت من اجله عشرات المقالات على مدى السنوات الماضية ومنها ما كتبته خلال الاشهر الاخيرة منذ ان طرحت مسألة وضع قانون انتخاب جديد مؤقت.
لكن التشبث بهذا الموقف يجب ان لا يعني الرفض لهذا القانون المؤقت او للظروف والمواقف السياسية الرسمية التي تقف خلفه. فالتغييرات التي طالت عدد الدوائر وعملية الترشح والانتخاب تعتبر خطوة مهمة الى الامام يعززها ما جرى من تغييرات اكبر واعمق واشمل على العملية الانتخابية, بدءاً من التسجيل والترشح والتصويت والرقابة وصولا الى رواتب النواب وتقاعدهم وامتيازاتهم.
اذا ما تم تطبيق ما تعهدت به الحكومة في المواد الواردة في القانون من اجل ضمان النزاهة والشفافية على ارض الواقع وفي الممارسة والرقابة وعقاب مرتكبي الجرائم الانتخابية, فان القانون يمكن ان يوصف بانه "قانون اصلاح العملية الانتخابية" تلك العملية التي افسدتها في السابق تدخلات رسمية ومال سياسي وانتهاكات صارخة للدستور والقوانين.
يتضمن القانون الجديد خطوات جادة لتحقيق النزاهة في الاقتراع وفي مقدمتها التصدي للتزوير بضمان (1) عدم تدخل الحكومة واجهزتها في سير عمليات التسجيل والتصويت والنقل (2) اعتبار ان المرشح يرتكب جريمة تزوير اذا ما اقدم على شراء الاصوات بالمال السياسي ويعاقب باحكام تصل الى السجن سنوات محددة بالقانون (3) اعتبار كل ناخب يبيع صوته بالمال مرتكبا لجريمة التزوير وينال العقوبة المحددة.
كما يتضمن تحديد الاسباب التي تبرر نقل الاصوات من دائرة الى اخرى, ويحصرها اما بالدائرة التي يسكن فيها بالفعل, او بنقل صوته الى بلد الاصل, واذا كانت هذه العملية تتطلب وقتا وجهدا, فان النجاح في تنفيذها والحد من عملية نقل الاصوات (على قاعدة الشراء) هو ايضاً من مسؤولية المرشح والمواطن الذي يحق له الاعتراض على اية اسماء منقولة في جداول دائرته الانتخابية.
لقد مثلت عملية نقل الاصوات واجهة الفساد الخطيرة خلال العقدين الاخيرين واصبحت جزءا من نظام (مافيا مالية وانتخابية) قادرة على تزوير ارادة الناخبين وارتكاب الجرائم الانتخابية بالجملة من دون حسيب او رقيب, واصبح بعضهم قادراً على حجز مقعد دائم في مجلس النواب بثمن محدد واصوات محسوبة سلفا.
كما يقترن اصدار القانون الجديد بقانون مؤقت لتعديل نظام التقاعد المدني الذي يستهدف مع بنود اخرى تحويل راتب النائب والعين الى مكافأة ومن دون تقاعد, وهذا الجانب يمثل مدخلا اساسيا لاصلاح السلطة التشريعية وفرصة حقيقية لقيام مجلس نواب قوي, لا مجرد شواغر لوظائف برواتب عالية وضمان تقاعد مماثل الى الابد.
يستحق هذا القانون ان يمنح الفرصة من الجميع, احزابا ومجتمعاً مدنياً ومواطنين, من اجل اصلاح العملية الانتخابية وان تصبح كل مادة فيه (خاصة المتعلقة بالجرائم الانتخابية والتزوير) مهمة كل مواطن من اجل تعاون وطني لضمان نزاهة الانتخابات.
وفقط في "يوم الامتحان يُكرم المرء او يهان", فيوم الانتخابات الذي سيتحدد في تشرين الثاني سيثبت ان كانت الحكومة قد نجحت او فشلت في اصلاح العملية الانتخابية.