في موضوع "أجمعين"

 

لو كان الصحابة "أجمعين"، أي جميعهم، أبراراً صادقين – كما يصر على ذلك الوهابيون فمن هي إذاً تلك الفئة التي عاشرها سيدنا محمد ونزلت فيهم سورة كاملة تختص بهم دون غيرهم، وهي سورة المنافقين؟

 

أسئلة أتحدى أن يجيب عليها الوهابيون...

 

فهل كان القرآن يقصد في هذه السورة جنس غريب من الناس يقطنون بلاد الواق واق عندما قال فيما قال عنهم "بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُون"َ؟

 

هل يعقل أننا لا نسمع إلا عن عبد الله بن أبي سلول زعيماً للمنافقين، ولكننا لا نعلم من هم المنافقون أنفسهم؟

 

أم أن المنافقين هم في الواقع بعض أصحاب الرسول ذاتهم الذين كان يصبح ويمسي بهم كل يوم، أي ذلك العدد الكبير من أولئك "الصحابة" أنفسهم الذين يحرم الوهابيون اليوم نقدهم أو انتقادهم؟

 

فالوهابيون اليوم لا يكادوا يذكرون اسم النبي محمد إلا ويُصِرُّون في نفس الجملة بأن أصحابه "أجمعين"، أي بلا استثناء، هم كلهم قديسين مُنَزَّهين لدرجة أن الله عز وجل ينبغي أن يلبي دعوة الداعي فيُصَلِّي ويسلم ويبارك عليهم "أجمعين"...

 

وفي كل أذانٍ من مكبِّرات الصوت، يختمون نِداء الصلاة خَمس مرات يومياً بالعبارة التالية:

 

"اللهم صلِّي وسلم وبارك على سيّدنا محمد وعلى آله وأصحابه ((أجمعين))"...

 

هؤلاء الناس متمسكون بتطرف عجيب بموضوع قدسية أصحاب سيدنا محمد "أجمعين"، بل يدّعون أن سبب عداوتهم للشيعة هو لأنهم يتهمونهم بأنهم يَسُبُّون الصحابة!!

 

ويتشدد هؤلاء ويتعصبون لموضوع "أجمعين" تعصباً أعمى، حتى لو أخبرتنا كتب السيرة نفسها بأن مِن الصحابة من تآمر على النبي وعلى آل بيته الكرام، وأن منهم من نكَّل في سفك دماء صحابة آخرين في موقعتي الجمل وصِفّين، وأن منهم من ذبح أهل آل البيت في كربلاء واقتاد حفيدات الرسول في موكب السبايا إلى دمشق، وأن منهم من حاصر مكة وقصف الكعبة بالمنجنيق وأسرف في اغتصاب النساء المسلمات في المدينة في موقعة الحَرّة ودَمُ مُحمدٍ ما لبث أن يبرد في قبره بعد!!

 

هذا الهوس بمسألة "أجمعين" أيها السادة هو ليس صدفة، بل سببه اليوم هو حاجة الوهابيين الملحّة لحماية إرثهم المزوّر وتحصين الكم الهائل من الأحاديث التي رواها بعض هؤلاء "الصحابة" والتي تسيء إلى سيدنا محمد نبي الرحمة والخلق العظيم وتصوره والعياذ بالله بأنه كان فظاً غليظ القلب لا هم له سوى القتل والنكاح والغزو والسبي والذبح...

 

فلو علم الناس مثلاً أن أبي هريرة الذي روى آلاف الأحاديث عن النبي كان أموي الهوى والولاء، وأنه شخصية تحوم حولها الشبهات عندما سجنه عمر بن الخطاب لسرقته خراج مال البحرين، لاختلف الأمر كلياً...

 

ولو علموا أن ابن عباس هو الآخر متهم بسرقة بيت مال البصرة في عهد علي، وأن عمره أصلاً كان لا يتعدى عشر سنوات يوم وفاة الرسول، لانهارت مصداقية هؤلاء الرواة ولنبذ المسلمون تلك الأحاديث وأهملوها ورفعوا عنها هالة القداسة وأسقطوا عنها وصف "الصحيحة"...

 

وإلا فما الذي ينتقص من إيمان وعقيدة أهل السنة والجماعة لو أنهم أقرُّوا بالحقيقة الإنسانية الراسخة بأن البشر، بطبيعة هذه الدنيا، لا بد أن يكون فيهم الصالح وأن يكون منهم الطالح، بغض النظر عمن صاحبوا، وأن صحابة رسول الله، كما كل الخليقة، كان فيهم رجالاً أطهاراً أبراراً مبشرين بالجنة، كما كان منهم الكاذبين والسفّاحين والأشرار؟

 

لماذا يُصِرّ العقل الوهابي على إسباغ قُدسية كاذبة على مجموعة عشوائية من الناس "أجمعين" لمجرد أنهم عاصروا النبي محمد وأعلنوا إسلامهم، لولا أن تبجيل هذه الشخصيات وتنزيهها عن النقد هو أساس بقاء الأكاذيب والتزوير والتلفيق وراء الأحاديث المسيئة للرسول الكريم والتي تشكل عماد الفقه الوهابي؟

 

ولا زلت أتحدى أن يجيبني أحدهم على هذه الأسئلة...

أضف تعليقك