في صورة شيطان

في صورة شيطان
الرابط المختصر

"إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأتِ أهله. فإن ذلك يرد ما في نفسه". وفي رواية أخرى: “أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة. فذكر بمثله. غير أنه قال: فأتى امرأته زينب وهي تمعس منيئة. ولم يذكر: تدبر في صورة شيطان”، صحيح مسلم.

"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في أصحابه فدخل ثم خرج وقد اغتسل فقلنا: يا رسول الله قد كان شيء قال: أجل مرّت بي فلانة فوقع في قلبي شهوة النساء"، الألباني، السلسلة الصحيحة.

هذه الروايات في حقيقة الأمر ليست مفاجئة إذا ما وضعت في سياق آلاف الروايات التي تحتضنها صفحات كتب التراث. اللافت للنظر في هذه الروايات أنها تمُرُّ مرورَ الكرام هذه الأيام كما مرَّت من قبل على مبتدعيها من “الرواة والشراح”، ذلك أنّ هذه الروايات تقطع بيقين بأنَّ الجنس وأصل الخطيئة والانحراف مُتأصِّلان في المرأة قولاً واحداً كما يراها الرواة والمتتلمذون على يديهم منذ قرون وحتى يومنا هذا.

السؤال المُحَيّر في هذا المقام هو كيف يجد المتشبثون بالصحاح مخرجاً من مثل هذه الروايات حينما تتم دعوتهم للحديث عن "تكريم المرأة... وحقها في المساواة... واحترام حريتها وحقوقها..."، الأرجح هو أنّهم لا يواجَهون بمثلِ هذه النقول إما لعدم علمٍ بها أو تجنُّباً لإحراج الضيف الشيخ، في الاتجاه نفسه، فقد حاول البعض المبادءة تحت عنوان “ردّ الشبهات” الحديث عن هذه الروايات، فبذل هذا البعض جلَّ وقتهِ وكُلَّ مِدادهِ لتفنيد أن كلمة “فأبصر أو رأى” إنّما تعني النظر غير المتعمد السريع الخاطف! ولم يكلف أحد هؤلاء نفسه عناء التفكير في أنّ آخر ما يُمَثِّلُ مشكِلَةً هنا هو قضيَّةُ النظرِ إلى مرأة، بل إنّ لُبَّ المشكلةِ يكمنُ في إنزالِ المرأةِ منزلةَ الشيطانِ بما لهذا الأخيرِ في موروثنا الديني والأدبي من بشاعةٍ وانحطاط! وما يقتضيه الحُكُمُ على شخصٍ ما بأنَّهُ مُتَلَبِسٌ بصورةِ الشيطانِ من ضرورةِ إقصائهِ والابتعادِ عنهُ بل وتحميلهِ مسؤوليةَ كلِّ خطأٍ وخطيئة، ثم لم يكلّلف أحدهم نَفسَهُ عناء التأملِ في الذَنْبِ الذي اقترفتهُ المرأةُ الموصوفةُ بأنها “تأتي وتدبر على صورة شيطان” غير كون حظِّها العاثر جَعَلَها تُرى أو تُشاهد مع حظٍّ عاثرٍ آخر سبق الأخير؛ ألا وهو أنّها جميلةٌ بمقاييس عصرها ومن يشاهدونها.

من جهةٍ أخرى، فإنَّ ما تقدّمُهُ هذه الرواياتِ من صورةٍ لا تليقُ باحترامِ كرامةِ المرأةِ وخصوصيَّتها، يعدّ مهيناً لها ومكرّساً بصور نمطية سلبية تكتسب صفة المشروعية من خلال هذه الروايات، إذ كيفَ يمكنُ أن يضطلع الآخرون على واقعة حدوثِ جِماعٍ بين رجلٍ وزوجَتِه؟ وكيفَ يستقيمُ من بعد أن يتعاملَ الشراحُ مع هذه الرواياتِ على أنّها سنةٌ يجب اتِباعُها في كلِّ مرةٍ يواجهُ فيها المرءُ موقفاً مشابها؟

حينما عارضنا الكثيرون منذُ سنواتٍ أثناء مناقشة مسودة قانونِ الحمايةِ من العنفِ الأسريّ، حيث حاوَلَ  مجموعةٌ من الزملاء الخبراء القانونيين -وكنت معهم- أن نُضَمِّنا هذا القانون نصاً يُجَرِّمُ اغتصاب ِالزوجَ لزوجتِهِ في حال أجبراها على المواقعة، ثارت ثائرةُ جلُّ القائمين على هذا القانون في حينها متهميننا بأننا أصحاب أجندات أجنبية، وكان هذا من وجهة نظري يعني وبمفهوم المخالفة أن الإكراهَ على المواقعةِ هو أجندةٌ عربيةٌ بامتياز، فهل لهذه الرواياتِ التي نحن بصددها أثرٌ في تكريس هذا المفهومِ بالتضافُرِ مع رواياتٍ أخرى تلعنُ المرأةَ التي تمنعُ نفسَها من زوجها؟ فما الحلُّ إذا استثيرَ شخصٌ ما لرؤيته فتاةً جميلةً وكانت زوجته متعبةً فامتنعت عن جعله يُفرِغ “شهوته” الناشئةِ أصلاً عن رؤيةِ غيرها؟ وهل يمكنُ أن تحتملُ نفسَها وكرامَتَها فكرةَ أن تكونَ تحت الطلب كلَّما أُعجِبَ زوجُها بغيرها؟

ليتَ المشكلة في هذه الرواياتِ مُجَرَّدَ فِكرَةِ النظر كما يظنُّ المشتغلون بـ”رَدّ الشبهات”، لكانَ الأمرُ هيّناً، لكنَّ العلَّة كلُّ العِلّةِ في أنَّ المرأةَ باتت مسؤولةً عن غرائزِ غيرها الجامحةَ وأداةً لترويضِ تلكم الغرائزِ التي ليسَ لها في جموحها ناقةٌ ولا جمل.

لافتةٌ للنظرِ صلابةُ المتمسكون بكتبِ الصحاحِ إلى الحدِّ الذي يؤثِرون فيه الإبقاء على هذه الرواياتِ وتأكيدِ صحَّتها عوضاً عن إنكارها والتبرؤُ منها.

لا يمكنُ الادعاءُ بأننا نكرِّمُ المرأةَ ونحترمُ كرامَتَها  استناداً إلى رواياتٍ نبحثُ عنها بإبرةٍ ونأوِّلها حسب الطلب، وفي الوقت نفسه نُصِرُّ على رواياتٍ كهذه ونعيدُ طباعتها ونُدَرِّسُها في أبوابِ وفصولِ العِفّةِ وهي في ذاتها تنزلُ بصاحبات العِفّة إلى أسفل سافلين، إلى دَرَكِ الشياطين المَلعونين، فهل من مُغيثٍ ومُنَقِّحٍ لكُتُبِ التراثِ وعلى رأسها “الصحاح”، وذلك إكراماً للمرأة والرجل وللرسول؟

إنَّ أمَّةً تُجَسِّدُ أدبياتُها المرأةَ على صورةِ شيطان، لهيَ أمَّةٌ تحتاجُ ولا ريبٍ لمراجعةِ موقفها من نفسِها وحياتِها وماضيها وحاضرها ومستقبلها، فهل من مجيب؟

مهند العزة: خبير دولي في التحليل القانوني وحقوق الإنسان، وكاتب في حقل الإصلاح الديني.

أضف تعليقك