في الأردن: حجب 263 موقعا إلكترونيا

في الأردن: حجب 263 موقعا إلكترونيا
الرابط المختصر

حجبت الحكومة الأردنية عددا كبيرا من المواقع الإلكترونية الإخبارية، بلغ عددها 263 موقعا اخباريا، على خلفية عدم التزامها بالمتطلبات القانونية التي نص عليها قانون المطبوعات والنشر رقم 8 لسنة 1998 بعد تعديله في أيلول 2012 بموجب القانون رقم (32) لسنة 2012. وقد تسبب حجب هذا العدد الكبير من المواقع بموجة انتقادات واسعة من جماعات حقوق الإنسان الوطنية والدولية. ومن المفارقات، أن رئيس الوزراء الحالي، د. عبد الله النسور، كان من كبار النواب المعارضين للتعديلات التي طرأت على هذا القانون في 2012 في جلسة إقرارها في البرلمان.وقد تزامن تفعيل قانون المطبوعات مع اضطرابات وإعلان حالة عصيان مدني في محافظة معان جنوب الأردن بعد أن قام وجهاء المحافظة بتوجيه رسالة إلى ملك الأردن تعبر عن استيائهم بسبب حالة من الانفلات الأمني في المحافظة. ومن المعلوم أن المواقع الإلكترونية الإخبارية كانت غطت بشكل كبير الحراك الذي تم في الأردن للمطالبة بالإصلاح ومحاكمة الفساد بطريقة اعتبرها الإعلام التقليدي والحكومة في محلات عدة تجاوزا للخطوط الحمراء المتعارف عليها في البلاد. بحسب القانون المعدل، فان المواقع الإلكترونية، التي أسماها القانون بـ"المطبوعة الالكترونية" التي تنشر الأخبار والتحقيقات والمقالات والتعليقات ذات العلاقة بالشؤون الداخلية أو الخارجية للمملكة تكون ملزمة بالتسجيل والترخيص بقرار من مدير عام دائرة المطبوعات والنشر وتطبق عليها جميع التشريعات النافذة ذات العلاقة بالمطبوعة الصحفية. كما تعتبر التعليقات التي تنشر في المطبوعة الالكترونية مادة صحفية لغايات مسؤولية المطبوعة الالكترونية ومالكها ورئيس تحريرها بالتكافل والتضامن. وهذا يرتب على أصحاب هذه المواقع مجموعة من الالتزامات منها أن يتم تسجيل المطبوعة كشركة وفقا لقانون الشركات، وأن يكون لديها رئيس تحرير صحفي يحمل الجنسية الأردنية وقد مضى على عضويته في نقابة الصحفيين مدة لا تقل عن أربع سنوات. كما يمنع على المطبوعة المتخصصة في موضوع معين مثل الطبخ أو الأزياء الكتابة في مواضيع أخرى. ويملك مدير المطبوعات والنشر حق حجب المواقع الالكترونية غير المرخصة في المملكة إذا ارتكبت مخالفة لأحكام هذا القانون أو أي قانون آخر. وتجدر الإشارة الى أن القانون عرف المواقع الملزمة بالترخيص على نحو يشمل أي موقع يتناول أخبارا عن الأردن متعلقة بالشأن الداخلي أو الخارجي، وهذا كفيل بأن يندرج تحت نطاقه المدونات ومواقع التواصل الاجتماعي وأي موقع إخباري في العالم يتحدث عن الأردن، ولا أعتقد أن هناك دولة في العالم قادرة على فرض سيطرتها على مواقع من هذا القبيل، وبالتالي من الطبيعي أن تكون قرارات الحكومة بالحجب انتقائية لاستحالة حجب كافة المواقع بحسب تحديد القانون، وهذا ما أكده بأية حال عدد من أصحاب هذه المواقع. ولا يغير من ذلك تصريح الحكومة في أكثر من مناسبة أن القانون لن يستهدف مواقع التواصل الاجتماعي أو المدونات الشخصية طالما أنه ليس لهذه التصريحات الحكومية الخاصة أي قيمة قانونية، ويبقى القضاء هو صاحب الصلاحية لتفسير النصوص وتطبيقها على القضايا المعروضة أمامه.

وهنا، لا بد من الإشارة الى أمرين أساسيين:

الأول، أن الدستور الأردني نص صراحة في المادة (15/4) على أنه "لا يجوز تعطيل الصحف ووسائل الإعلام ولا إلغاء تراخيصها إلا بأمر قضائي وفـق أحكام القانون"، مما يولد شبهة حول عدم دستورية قانون المطبوعات. فهذا القانون أناط بالسلطة التنفيذية صلاحية تعطيل وسائل الإعلام فيما أن الدستور حصر هذه الصلاحية بالسلطة القضائية وحدها، مما يجعلنا أمام انتهاك لمبدأ الفصل بين السلطات. ورغم ذلك، لم يقم أي من المواقع بتحريك دعوى بهذا الخصوص. وتجدر الإشارة إلى أن اللجوء إلى المحكمة الدستورية ليس بالأمر الهيّن، فبداية يتوجب على صاحب المطبوعة الإلكترونية الطعن بقرار الحجب أمام محكمة العدل العليا، المحكمة الإدارية الوحيدة في الأردن، ومن ثم يقدم الدفع بعدم الدستورية أمام المحكمة بموجب مذكرة يبين فيها اسم القانون الذي أثير الدفع بعدم دستوريته ورقمه ونطاق الدفع بصورة واضحة ومحددة وما يؤيد ادعاءه بأن ذلك القانون واجب التطبيق على موضوع الدعوى ووجه مخالفته للدستور، ومن ثم تقرر المحكمة في أمر إحالته إلى المحكمة الدستورية، أي من الممكن أن لا تقرر محكمة العدل العليا إحالة الأمر إلى المحكمة الدستورية.

أما الأمر الثاني فمفاده أن الأردن صادق على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وبحسب المادة 19/3 فان القيود التي ترد على حرية الرأي والتعبير محددة على سبيل الحصر وهي "أنتكونمحددةبنص القانونوأن تكون ضرورية(أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم (ب) لحماية الأمن القومي أوالنظام العام أو الصحة العامة أوالأخلاق العامة. أي لضمان مشروعية هذه القيود، يجب أنت تمتثل لمبادئ الشرعية القانونية والتناسب وأن تكون مفروضة لواحد أو أكثر من الأسباب المشروعة المشار إليها في هذه الفقرة. القانون يجب أن يكون واضحاً ودقيقاً ومتماشياً مع أحكام العهد، إضافةً إلى ذلك يجب ألا تكون القيود الواردة في القانون تعسفية أو غير منطقية. وعندما تتذرع الدول الأطراف بواحد أو أكثرمن الأغراض المشروعة المشار إليها في الفقرة (3) لتبرير القيود على ممارسة حرية التعبير، فإنه يجب عليها أن تقدم تفاصيل كافية ومحددة وموثقة لتأييد حججها.أما الإشارات العامة فهي ليست كافية ولا تقبلها اللجنة المعنية بحقوق الإنسان كمبرر لتقييد ممارسة حرية التعبير. فإذا كانت الدول تتمتع بهامش تقديري لتطبيق وإعمال الحقوق المحمية بهذا العهد، فهذا لا يعني أنها طليقة اليد بهذا الخصوص لأنها تخضع لرقابة لجنة حقوق الإنسان. كما أن عبء إثبات وقوع القيد ضمن الحالات المسموح بها بموجب العهد يقع على الدولة.

وفي هذا الإطار، يسجل أن القانون وضع مجموعة من القيود على حرية التعبير من دون أن تبين الحكومة الأسباب التي تبرر هذه القيود ومدى اتفاق هذه المبررات مع المعايير الدولية، انما هي اكتفت بالقول إن الغاية من القانون هي تنظيم المواقع الإلكترونية فقط. والواقع أن المطلع على القانون يتبين أن الأمر يتعدى التنظيم ليصبح شكلا من أشكال انتهاك حرية التعبير. وتبيانا لذلك، نعرض لأهم الآثار المترتبة على الشروط التي فرضها القانون على النحو الآتي:

أولا: التسجيل:

من الصعب الحكم على عملية تسجيل المطبوعة الإلكترونية في الوقت الحالي لأنها لم تشهد تطبيقا فعليا على أرض الواقع، إلا أن لجان الاتفاقية تعاملت مع موضوع تسجيل المؤسسات الإعلامية بحذر شديد، فعلى سبيل المثال تطرقت لجنة حقوق الإنسان لموضوع تسجيل الإعلام المطبوع بالنظر في إحدى البلاغات الفردية التي عُرضت عليها وهي (Laptsevich v. Belarus, , Communication No. 780/1997). وكان صاحب الشكوى قد ادعى بأن حقه بموجب المادة (19) من العهد الدولي تَعرَّضَ للانتهاك لأنه ترتب عليه غرامة مقدارها 390.000 دولار أمريكي بسبب قيامه بتوزيع مطبوعات من دون أن يقوم بتسجيلها وفقاً لأحكام القانون الوطني. وقضت اللجنة أن حق مقدم الشكوى بموجب المادة (19) قد تعرض للانتهاك فعلاً لأن دولته لم تبين بوجه دقيق أن هذا القيد المسبق على المطبوعة المتمثل في التسجيل يتفق مع أحكام المادة (19/3) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. ورفضت اللجنة الحجة المقدمة من الدولة بأن شرط التسجيل ضروريٌ للحفاظ على الأمن القومي، لأنها لم تبين ضرورة هذا القيد وكيف يمكن حماية الأمن القومي بفعل التقيد به. كما أشارت اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان في إحدى الشكاوى المعروضة عليها (ACHPR, Media Rights Agenda and Others v. Nigeria, Communications Nos. 105/93, 128/94, 130/94 and 152/96) أن رسوم التسجيل المرتفعةبصورةمفرطةهي في جوهرهاتقييدلإصدار وسائط الأنباء.

ثانيا: ترخيص المطبوعة الإلكترونية

لم تتناول المادة (19) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية موضوع ترخيص الهيئات الإعلامية أو ضرورة إتباع إجراءات معينة قبل البدء بممارسة الحق في التعبير بشكل عام. لكن يبدو أن ثمة إجماعاً على أنَّ الهيئات الإعلامية المرئية والمسموعة بحاجة إلى ترخيص مسبق من الجهة المشرفة على هذا القطاع في الدولة المعنية، لأنه من المعروف أن البث الإذاعي والتلفزيوني يَتمُّ بالترددات اللاسلكية التي لديها الإمكانية في إرسال الإشارات لمسافات طويلة. وتنتقل هذه الترددات عبر الأثير أو ما يعرف باسم الطيف الترددي (Spectrum) وهو مورد طبيعي محدود ومتاحبدرجة متساوية لكل دولة. لذلك لا يعتبر الترخيص ضروريا في حالة المطبوعات الورقية أو الصحف أو حتى المطبوعات الإلكترونية لأنها في النهاية لا تستنفد موردا طبيعيا محدودا للدولة.

وتكمن الخطورة في الترخيص، أن مدير المطبوعات والنشر لديه سلطة تقديرية بقبول أو رفض طلب الترخيص حتى لو استكمل مُقدم الطلب كافة الشروط التي يتطلبها القانون، فاجتهاد محكمة العدل العليا المتعلق بمراقبة ركن السبب في القرار الإداري قد ميّز بين حالتين؛ الحالة الأولى تتمثل في خلو القرار الصادر من جهة الإدارة من ذكر السبب الذي قام عليه القرار الإداري وفي مثل هذه الحالة يفترض أنه صدر صحيحاً، والحالة الثانية تتمثل في إفصاح الإدارة عن سبب قرارها، وفي هذه الحالة للمحكمة أن تتحقق من صحة ومدى مطابقته للواقع والقانون باعتبارها محكمة قضاء إداري، فإذا ثبت للمحكمة عدم صحة الوقائع التي استند إليها القرار المطعون فيه، فإنه يكون منطوياً على مخالفة للقانون لانعدام الأساس القانوني الذي يقوم عليه.

لغاية الآن، لم تتعسف دائرة المطبوعات والنشر في رفض ترخيص المواقع الإلكترونية؛ فقد استطاع 107 موقعا إخباريا من الحصول على تراخيص من دائرة المطبوعات والنشر بمجرد استكمال المتطلبات التي نص عليها القانون.

ثالثاً: الخضوع لقانون الشركات

يتطلب القانون على صاحب المطبوعة الإلكترونية أن يُنشئ شركة وفقا لقانون الشركات النافذ، وبشكل عام إجراءات تسجيل الشركة لا تتسم بتعقيد ويمكن تسجيل شركة برأس مال مقداره دينار أردني واحد، لكن يتطلب إنشاء الشركة وجود مقر دائم وهذا ما لا يتوفر لدى الكثير من المواقع الإلكترونية الإخبارية، فأصحابها يديرونها من منازلهم أو في المقاهي التي يتوفر فيها خدمة الانترنت.

رابعاً: عضوية رئيس التحرير بنقابة الصحفيين لمدة لا تقل عن أربع سنوات.

وضع قانون نقابة الصحفيين مجموعة من الشروط للانتساب إلى النقابة منها، الجنسية الأردنية، الحصول على مؤهل علمي من جامعة معترف بها، الخضوع إلى فترة تدريب تمتد ما بين 6 أشهر إلى 4 سنوات بحسب المؤهل العلمي، ألا يكون محكوما عليه بجناية أو جنحة مخلة بالشرف وأن يتمتع بالأهلية القانونية. بالنسبة لمالك المطبوعة الإلكترونية، تحقيق هذه الشروط أمر صعب ويحتاج إلى فترة زمنية طويلة نسبيا، والنتيجة حرمان مجموعة كبيرة من أصحاب الموقع الإلكترونية من حقهم بالتعبير عن رأيهم. إضافة إلى ذلك قد يكون صاحب الموقع منتميا إلى نقابة أخرى مثل نقابة المحامين أو المهندسين أو الأطباء وهي نقابات تمنع الانضمام إلى غيرها من النقابات.

سبق وأن قامت محكمة الدول الأمريكية لحقوق الإنسان بالتطرق إلى موضوع العضوية الإلزامية بنقابة الصحفيين في رأيها الاستشاري بقضية قضية ايفشير برونستاين ضد بيرو، واعتبرت هذا الشرط انتهاكا صارخا لحرية التعبير عن الرأي على اعتبار أنها تمنع الشخص غير المنتسب لنقابة الصحفيين من التعبير عن رأيه وتحرم الآخرين من الاطلاع عن رأيه وبالتالي منع تلقي المعلومات والآراء التي يعرب عنها الآخرون.

خامسا: مسؤولية المطبوعة الإلكترونية عن التعليقات من قبل القرّاء اعتبر القانون أن التعليقات التي تنشر في المطبوعة الالكترونية مادة صحفية لغايات مسؤولية المطبوعة الالكترونية ومالكها ورئيس تحريرها بالتكافل والتضامن، ويلتزم الموقع بعدم نشر التعليقات إذا تضمنت معلومات أو وقائع غير متعلقة بموضوع الخبر أو لم يتم التحقق من صحتها أو تشكل جريمة بمقتضى أحكام أي قانون سار في الأردن. النص يلقي مسؤولية كبيرة على الموقع الإخباري ويحمّله ما هو فوق طاقته لكثرة عدد التعليقات وعدم إمكانية وجود نظام فلترة الكتروني يحميه من عبء المساءلة. في النهاية لا بد من الاعتراف أن قانون المطبوعات والنشر يُشكل انتكاسة لحرية التعبير عن الرأي ولا يخفى على أحد أهمية هذه الحرية؛ فهي من أهم ركائز الديمقراطية في أية دولة ولا يمكن اعتبارها نوعا من أنواع الرفاهية أو الترف، كما أنها مرتبطة ومتقاطعة بعدد من الحقوق الأساسية الأخرى مثل حرية الاجتماع والتجمع والحق في الخصوصية والمعتقد والدين والحرية الأكاديمية وحقوق الأقليات والمشاركة بالحياة العامة. الحكومة الحالية تصف نفسها بأنها حكومة إصلاحية، باعتقادي من الصعب الحديث عن الإصلاح بوجود قانون مماثل.