فلسطينيو الأردن: الورقة الرابحة في يد الحكومة

فلسطينيو الأردن: الورقة الرابحة في يد الحكومة
الرابط المختصر

انشغل الشارع الأردني مؤخرا بعدد ليس بقليل من قضايا الفساد. المتهمون واللاعبون الرئيسيون فيها خلف الكواليس من المتنفذين والمسؤولين الكبار في الحكومة، ويأخذ الهمز واللمز والحديث في هذه القضايا حيزا كبيرا من أحاديث الأردنيين في جلساتهم وأثناء لقاءاتهم؛ وقد خرج مؤخرا بشكل شبه أسبوعيّ كل جمعة على الأخص- العديد من أبناء المحافظات الأردنيّة من الكرك والطفيلة إلى ذيبان واربد؛ في مسيرات واعتصامات مطالبين باجتثاث بؤر الفساد الذي يؤمن الكثيرون أنها تبتلع قوتهم وقوت أولادهم.

تتلخص القضيتان اللتان فجرتا غضب الشارع بالتالي: أولا، قضية تهريب أحد رجال الأعمال المحكومين بقضية رشوة بأحد العطاءات الكبيرة إلى خارج البلاد، هذه القضية التي كشفت عنها صحيفة العرب اليوم عندما نشرت أن رجل الأعمال إيّاه الذي أُخرج من البلاد بهدف العلاج يتناول الغداء في أحد مطاعم لندن الراقية؛ أمّا القضية الأخرى تتلخص في توقيع اتفاقية كازينو ثم الغاءها وتكبيد الدولة شرطها الجزائيّ الكبير وهي ما تعرف بـ'قضية الكازينو'.

بعد فضح الصحف لهذه القضايا وغيرها أيضا؛ تلاحقت التقارير الصحفيّة والاتهامات التي وصلت حد اتهام الوزراء والمسؤولين لبعضهم البعض؛ وتستمر محاولات الحكومة للتبرير والخروج من الأزمة التي وصلت حد إحالة ملف قضية الكازينو إلى هيئة مكافحة الفساد ثم البرلمان، حيث صوّت مجلس النواب على براءة رئيس الوزراء معروف البخيت وإدانة وزير السياحة الأسبق أسامة الدباس، ومع كل هذه الخطوات يبقى السؤال في ذهن الأردنيين: لماذا؟ كيف استطاعوا؟ وأهم هذه الأسئلة : لماذا التباطؤ في محاسبة المسؤولين؟

وكما كان الحال دوما بخصوص أحاديث الشارع التي تتجه نحو نقد عمل الحكومة وأدائها أو فسادها؛ ينأى الأردنيون من أصل فلسطيني أنفسهم قدر المستطاع عن هكذا أحاديث أو اعتصامات أو تحركات شعبيّة؛ فترى من النادر مشاركتهم بالنقد أو كيل الاتهامات أو التعبير عن السخط بالاعتصامات؛ وقد تقتصر مشاركتهم على مراقبة الأوضاع لا غير... هذا إن لم يجتنبوها أيضا، فلماذا؟ وهل مواطنتهم درجة ثانية أم ماذا؟

إذا نظرنا للوضع الفلسطيني أردنيّا؛ فاللحمة بين الشعبين تاريخيّة إسلاميّة وتمتد إلى ما قبل قيام الكيان الاسرائيليّ الغاشم بناء على توصيات 'سايكس- بيكو'؛ وبعد قيامه لم تزدد اللحمة إلا قوّة حيث وقف الشعبان بجانب بعضهما وكان الأردن المتحدث الرسمي بقضيّة الشعب الفلسطينيّ، ولم يحدث أي فصل فعليّ حتى أمست منظمة التحرير الممثل لقضية الشعب الفلسطينيّ مما أدى لقرار فك الارتباط مع الضفة الغربيّة، وقد استمر الشعبان متآخيين في السراء والضراء حتى بعد قرار فك الارتباط، والذي أكاد أجزم أنه لم يكن له يد في تحول الفلسطينيين لما يشبه 'الكومبارس' داخل الأردن... إذا ما هو السبب؟

قد تتعدد الأسباب إلا أن أقواها وأوضحها يمكن أن يقسم تاريخيّا إلى داخلي وعربيّ؛ أمّا الداخلي فقد كان أيلول الأسود قوة شرخ كبيرة أدّت لظهور حزازيّات ومصطلحات ك 'أردني أردني' و 'أردنيّ فلسطينيّ'، حيث اختلف الواقع عمّا كان عليه من مشاركة الفلسطينيين في الجيش والوزارات والحكومات، وتناسى الطرفان أنهما اجتمعا على تأييد حكم العائلة الملكيّة في الأردن التي تعود أصولها لبني هاشم الحجازيين؛ عائلة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، أي أنه إجماع على خلفيّة فهم لوحدة ولحمة الشعوب المسلمة بغض النظر عن منابتها؛ أمّا عربيّا كان ومازال الفلسطينيون 'جمل المحامل'؛ حيث ما حدثت مشاكل أو اضطرابات داخليّة إلا وقد كيل الاتهام فيها إليهم؛ كما حصل مؤخرا في سورية بمحاولة الزج بهم في ثورة شعبية نقيّة، حيث دوما هم المخربون والمعتصمون وناكرو الجميل؛ كل ما ذكر بالإضافة لغياب الوعي العربي الإسلاميّ عموما بمعنى القوميّة واللحمة العربيّة ووحدة المصير أدى لأن يأخذ الفلسطينيون 'الدرب من قصيرها' ويلتزمو الصمت تجاه أي قضية؛ صغيرة كانت أم كبيرة ليدفعو عن أنفسهم تهم نكران الجميل والخيانة والتخريب ليحاولوا ولو لبرهة- العيش بسلام وهدوء هم وأبناؤهم.

بناء على ما سبق؛ فإن صمت أغلبيّة من الشعب الأردني، هو بحد ذاته قوّة للنيام وهي مجموعة الفساد والحيتان التي تنام على مصالح الوطن ولا تستيقظ سوى لمصالحها، وحيث أن الاتهامات الحاليّة والاعتصامات والمقالات الصحفيّة هي من الأردنيين أنفسهم؛ وهم من يطالبون بمحاسبة الفاسدين بعيدا عن أي دور جدير بالذكر للأردنيين من أصل فلسطينيّ الذين آثروا الصمت في هذا الوقت بالذات... كل ما سبق يعطي الحكومة مساحة أكبر للمناورة وكسب الوقت إضافة إلى زخم أقل بالنسبة لموجة النقد؛ بالإضافة لإمكانيّة امتصاص غضب الشارع الأردني عن طريق شيوخ العشائر والوزراء المعينيين الذين ينتمون للعشائر الأردنيّة الكبيرة.

إن هذه ليست بالمرّة الاولى التي تراهن فيها الحكومة على صمت الفلسطينيين وتكسب- ولو بضع جولات؛ وقد يكون خير مثال على ذلك احتجاجات معان ومحافظات الجنوب عام 1989 عندما توجهت آنذاك نحو المخيمات الفلسطينية لكسب تأييدها وضمان عدم ثورتها مع أبناء المحافظات وهو ما حصل وقتها.

يعلم الجميع في دوائر القرار أن الفلسطينيين يحاولون تجنب زج أنفسهم في قضايا شائكة قد تهدد وضعهم الاجتماعيّ أو الاقتصاديّ في الدولة؛ ربما بمنحى قريب من مواقف الجاليات العربيّة في الحياة السياسيّة في أوروبا وأمريكا؛ مع فارق أنها الجاليات العربيّة ومنها الفلسطينيّة- تتفاعل رأيا وتصريحا بشكل أكبر وأنشط منهم نظرا لقوة وسلطة القانون العليا... وفي الأردن؛ المطالب كانت ولا زالت باجتثاث الفساد وتحسين الأوضاع لا غير، والجميع يتفق على حب الوطن والانتماء إليه والرقيّ به، وقد يكون لعدم مشاركة الأردنيين من أصل فلسطيني نظرا لخوفهم ومحاولات البعض تحويل أي رأي لهم لقضية استقطاب عنصريّة؛ تبعات سيئة على موقف الأردنيين الشرفاء الحريصين على مصلحة الوطن وحمايته من الحيتان التي تلتهم خيراته؛ لأنهم عندما يقفون وحدهم فهم فئة صغيرة تواجه طوفان فساد مدمّر.

بالطبع أخيرا لا يمكنـــــنا تجاهل حقيقة أن المجتمعات العربيّة بشكل عام تنخرها القبليّة والتعصب للمنبت والخوف من السلطة؛ حيث لم نصل بعد لمؤسسات مجتمع مدنيّ يقاس فيها انتماء المواطن بناء على نزاهته وخدمته وما يقدمه للوطن بحيث لا يحوّل فيها رأيه لاتهام خيانة بناء على أصله؛ أمّا داء الخوف من السلطة ولربما هو آخذ في الانحسار؛ فقد يكون العنوان الأساسي إن لم يكن المنهج الرئيسيّ- في كيفيّة تعامل الفلسطينيين مع الحكومات والسلطات في الدول العــربيّة ومنها الأردن على الرغم من حبهم وانتمائهم له مثله مثل فلسطين.

المصدر: القدس العربي

أضف تعليقك